فيه الاسم ، وإنّما ألزموا فيه الفعل لأنّه أريد به الدلالة بصيغة الفعل على زمانه أو مداناته وقرب الالتباس به ومواقعته ، فإذا قلت : كدت أفعل كذا ، فلست بمخبر أنّك فعلته ولا أنّك عريت منه عري من لم يرمه ، ولكنّك رمته وتعاطيت أسبابه حتى لم يبق بينك وبينه شيء إلا مواقعته ، فإذا قلت : كدت أفعله فكأنّ أفعله حدّ انتهيت إليه ولن تدخل فيه ، فكأنك قلت : كنت مقاربا لفعله وعلى حدّ فعله ، ولفظ كدت أفعل أدلّ على حقيقة المعنى وأحضر في اللفظ ، ومثله : عسي زيد أن يقوم ، ومعناه : عسي زيد القيام ؛ لأنّ القيام لا يدلّ على زمان محصّل ، فلزموا الفعل الذي يدلّ على الزمان بعينه ، وإذا قلت : عسي زيد يقوم ـ بإسقاط أن ـ جاز ، ويقوم في موضع قائم ، ولذلك قيل : (عسي الغوير أبؤسا) ، وعسي زيد يفعل ، إنّما تريد عسي زيد يفعل فيما يستقبل ، وكاد زيد يفعل إنّما يقال لمن هو على حدّ الفعل وليس فيه مهلة ، فلمّا كانت كذلك صارت للحال ، وكاد وعسي وجعل ونحو ذلك سيعود عليك ذكره في موضعه من أبواب أن أبسط من هذا وأكثر شرحا إن شاء الله.
هذا باب إذن
قال سيبويه : اعلم أنّ إذن إذا كانت جوابا وكانت مبتدأة عملت في الفعل عمل أرى في الاسم إذا كانت مبتدأة. وذلك قولك : إذن أجيئك ، وإذن آتيك.
ومن ذلك أيضا قولك : إذن والله أجيئك. والقسم هاهنا بمنزلته في أرى إذا قلت : أري والله زيدا فاعلا.
ولا تفصل بين شيء ممّا ينصب الفعل وبين الفعل سوى (إذن) ؛ لأنّ إذن أشبهت أري ، وهي في الأفعال بمنزلتها في الاسم ، وهي تلغي وتقدّم وتؤخّر ، فلمّا تصرّفت هذا التّصرف اجترءوا على أن يفصلوا بينها وبين الفعل باليمين.
ولم يفصلوا بين أن وأخواتها وبين الفعل كراهة أن يشبّهوها بما يعمل في الأسماء ، نحو : ضربت وقتلت ؛ لأنّها لا تصرّف تصرّف الأفعال ، ولا تكون إلا في أوّل الكلام لازمة لموضعها لا تفارقه ، فكرهوا الفصل لذلك ؛ لأنّه حرف جامد.
واعلم أن إذن إذا كانت بين الفاء والواو وبين الفعل فإنك فيها بالخيار : إن شئت أعملتها كإعمال أري وحسبت إذا كانت واحدة منهما بين اسمين ؛ وذلك قولك زيدا حسبت أخاك. وإن شئت ألغيت إذن كإلغائك حسبت إذا قلت : زيد حسبت أخوك.