وجل : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ)(١) والحكم متأخر ، وقوله : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ)(٢) بدا لهم فعل ، والفعل لا يخلو من الفاعل أو معناه عند النحويين أجمعين بدا لهم بدوّ ، وقالوا : ليسجننه ، إنما أضمر البدو ، لأنه مصدر يدل عليه (بدا لهم) ، وأضمر (قالوا) كما قال : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ)(٣) ومعناه : يقولون سلام عليكم ، ولا يكون ليسجننه بدلا من الفاعل لأنه جملة ، والفاعل لا يكون جملة ، وباقي الباب من كلام سيبويه مفهوم.
باب الحروف التي لا تقدّم فيها الأسماء (على) الفعل
فمن تلك الحروف الحروف العوامل في الأفعال الناصبة ـ ألا ترى أنك لا تقول : جئتك كي زيد يقول ذاك ، ولا خفت أن زيد يقول ذاك ، فلا يفصل بين الفعل والعامل فيه ، كما لا يجوز أن يفصل بين الاسم وبين (إنّ) وأخواتها بفعل ، ومما لا يقدم فيه : الأسماء ، الفعل ، الحروف العوامل في الأفعال الجازمة ، وتلك (لم) و (لما) و (لا) التي تجزم الفعل في النهي و (اللام) التي تجزم الفعل في الأمر ، ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول : لم زيد يأتك ، فلا يجوز أن تفصل بينها وبين الأفعال بشيء ، كما لم يجز أن تفصل بين الحروف التي تجر وبين الأسماء بالأفعال ؛ لأن الجزم نظير الجر ، ولا يجوز أن تفصل بينهما وبين الفعل بحشو ، كما لا يجوز أن يفصل بين الجار والمجرور بحشو إلا في شعر :
ولا يجوز ذلك في التي تعمل في الأفعال فتنصب ، كراهة أن تشبّه بما يعمل في الأسماء ، ألا ترى أنه لا يجوز أن يفصل بين الفعل وما ينصبه بحشو ، كراهة أن يشبهوه بما يعمل في الاسم ، لأن الاسم ليس كالفعل ، وكذلك ما يعمل فيه ليس كما يعمل في الفعل ، ألا ترى إلى كثرة ما يعمل في الاسم ، وقلة ما يعمل في الفعل ؛ فهذه الأشياء فيما يجزم أردأ وأقبح منها في نظيرها من الأسماء ، وذلك أنك لو قلت : جئتك كي بك يؤخذ زيد ، لم يجز ، وصار الفصل في الجزم والنصب أقبح منه في الجر لقلة ما يعمل في الأفعال ، وكثرة ما يعمل في الأسماء.
واعلم أن حروف الجزاء يقبح أن تتقدم الأسماء فيها قبل الأفعال ، وذلك أنهم
__________________
(١) سورة النحل ، الآية : ١٢٤.
(٢) سورة يوسف ، الآية : ٣٥.
(٣) سورة الرعد ، الآيتان : ٢٣ ، ٢٤.