فضله البخل هو خيرا لهم. وفي هذه القراءة استشهاد سيبويه ، وهي أجود القراءتين في تقدير النحو ، وذلك أنّ الذي يقرأ بالتّاء يضمر البخل من قبل أن يجرى لفظ يدل عليه ، والذي يقرأ بالياء يضمر البخل بعد ما ذكر يبخلون ، كما قال : من كذب كان شرّا له ، فجعل في كان ضمير الكذب ؛ لأن كذب قد دلّ عليه.
وأما قوله عزوجل : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً)(١) فإنما جاز في أنا الصّفة والفصل ؛ لأن النون والياء في ترني ضمير ، وقد يوصف الضمير بالضمير ويؤكّد ، ولو قلت : إن تر زيدا هو أقلّ منك مالا لم يجز فيه غير الفصل.
وأمّا (كلّ مولود يولد على الفطرة) فإنه يمكن أن يجعل الرّفع من ثلاثة أوجه : الوجهان اللذان ذكرهما سيبويه ، والثالث أن تجعل في تكون ضمير الأمر والشأن ، فإذا أثنّي على قول من أضمر المولود في يكون : كل مولودين يولدان على الفطرة حتى يكونا أبواهما ، وفي الجميع : حتى يكونوا آباؤهم ، ويفرد ؛ يكون على قول من رفع به أبواه ، أو جعل فيه ضمير الأمر والشأن ؛ لأن ضمير الأمر والشأن لا يثنى ولا يجمع.
وأما قوله : هذا عبد الله هو خير منك ، فإن سيبويه وأصحابه لا يجيزون فيه النّصب إذا أدخلت هو ؛ لأن نصبه على الحال لتمام الكلام قبله ، من أجل أن (هذا) مبتدأ ، وعبد الله خبره ، و (خيرا منك) حال ، كما تقول : هذا زيد قائما ، فإذا أدخلت هو جعلت هو مبتدأ ، وما بعده خبره ، والجملة في موضع الحال ، ولهذا أنكروا قراءة من قرأ : هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ، ولا يجيزون فيه اسما معرفة لأنه ليس بخبر ؛ لا يقولون : هذا زيد الراكب والقائم ، والذي يجيزه يجري هذا مجرى كان ، وعبد الله مرتفع بهذا ، والاعتماد في الإخبار على الاسم المنصوب ، والذي يجيزه الكسائي. والفرّاء لا يجيز النصب ، وكذلك أبو العباس ثعلب ، وكرهت إطالة الكتاب باحتجاج بعضهم على بعض ، وباقي الباب مفهوم.
هذا باب لا تكون فيه هو وأخواتها فصلا ولكن يكنّ
بمنزلة اسم مبتدإ
قال سيبويه : " وذلك : ما أظنّ أحدا هو خير منك ، وما أجعل أحدا هو أفضل منك ؛ لم يجعلوه فصلا وقبله نكرة ، كما أنه لا يكون وصفا لنكرة ، وكما أنّ كلّهم
__________________
(١) سورة الكهف ، الآية ٣٩.