هذا باب من أبواب «أن» التي تكون الفعل بمنزلة المصدر
تقول : أن تأتيني خير لك كأنك قلت : الإتيان خير لك ومثل قوله عزوجل : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)(١) ، يعني : الصوم خير لكم قال عبد الرحمن بن حسان : ـ
أني رأيت المكارم حسبكم |
|
أن تلبسوا حر الثياب وتضيعوا (٢) |
كأنه قال : رأيت حسبكم لبس الثياب.
واعلم أن" اللام" ونحوها من حروف الجر قد تحذف من" أن" كما حذفت من" إن" وجعلوها بمنزلة المصدر حين قلت : " فعلت ذاك حذر الشر" أي : لحذر الشر ويكون مجرورا على التفسير الآخر.
ومثل ذلك قولك : إنما انقطع إليك أن تكرمه أي لإكرامه ومثل ذلك قوله : لا تفعل كذا وكذا أن يصيبك أمر تكرهه كأنه قال : لأن يصيبك أو : من أجل أن يصيبك وقال عزوجل : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما)(٣) ، وقال عزوجل : (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ)(٤).
كأنه قال : لإن كان ذا مال.
وقال الأعشى :
أأن رأت رجلا أعشى أضربه |
|
ريب المنون ودهر مفسد خبل (٥) |
" فأنّ" هاهنا حالها في حذف حرف الجر كحال" أن" وتفسيرها كتفسيرها. وهي مع صلتها بمنزلة المصدر من ذلك قولك : أئتني بعد أن يقع الأمر. وأتاني بعد أن وقع الأمر كأنه قال : بعد وقوع الأمر. ومن ذلك قوله : " أما أن أسير إلى الشام فما أكرهه". " وأما أن أقيم فلي فيه أجر" كأنه قال : أما السيرورة فما أكرهها. وأما الإقامة فلي فيها
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ١٨٤.
(٢) البيت لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت.
الخزانة : ٢ / ١٠٤ ، الهمع : ٢ / ٣ ، الأعلام : ٤ / ٧٤.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ١٨٢.
(٤) سورة القلم ، الآية : ١٤.
(٥) البيت بديوان الأعشى : ١٢٠ ، المقتضب : ١ / ٢٩٢.