حروف الجرّ.
والوجه الثاني من وجهي النصب بحتى تكون فيه أيضا حرف خفض ؛ لأنّه يحسن فيه أن تقول : حتّامه ، وقد مضي الكلام في نحوه.
وأما وجها رفع الفعل بعد حتى فأصلهما وجه واحد في المعنى ، وذلك أن يكون ما قبلها موجبا لما بعدها ، ولكن ما يوجبه ما قبلها فقد يجوز أن يكون عقيبا له ومتّصلا به ، وقد يجوز أن لا يكون متصلا به ولكن يكون موطّأ مسهّلا بالفعل الأول ، متى اختاره صاحبه أوقعه ، وقد وطيء له ومكّن منه. ومن هذا قوله : لقد سرت حتى أدخلها ما أمنع ؛ لأن السّير مكّن له أن يدخلها كيف شاء في المستقبل ، وكذلك : رأى مني عاما أول شيئا حتى لا أستطيع أن أكلّمه العام بشيء ؛ لأن الذي رأى منه العام الأول هو الذي أصاره في عامه إلى الضّعف عن كلامه ، وسائره محمول على مثل ما ذكرناه ، وحتى في رفع الفعل بمنزلة الواو ، والفاء ، وإذا ، وإنما ، وسائر حروف الابتداء التي يرتفع الفعل بعدها ، وسبيلها في بطلان عملها عن الفعل كسبيلها في بطلان عملها عن الاسم إذا قيل : رأيت القوم حتى زيدا ، وجاءني القوم حتى زيد ، ومعناها في الفعل في وجهي النصب الغاية ومعنى كي ، وفي وجهي الرفع أن يكون الفعل الذي قبلها يوجب الفعل الذي بعدها ويوطئه.
وأمّا قول سيبويه في الفعل المرفوع فيما مضي إذا قلت : سرت حتى أدخلها ، كأنه قال : سرت فإذا أنا في حال دخول ، فالدخول متصل بالسير كاتصاله بالفاء ، فإنّما أراد أن يشبّه كون الفعل فيما مضى مع حتى بكونها مع الفاء فيما مضى ، ولم يرد أن يوجب أنّ عمل حتى ومعناها كعمل الفاء ومعناها ؛ لأنّ الفاء لا يوجب أنّ ما بعدها أوجبه ما قبلها ؛ لو قال : خرجت فإذا زيد قائم لم يكن قيام زيد من أجل خروجك.
وحتى هذه التي يرتفع الفعل بعدها يجوز أن يقع بعدها مبتدأ وخبر ، وتقع إنّ بعدها مكسورة كقولك : مرض حتى إنّه الآن لا يرجونه ، وأنس زيد بالأمير حتى هو يدخل عليه بغير إذن ، ووادّ زيد أخاك حتى أهلهما يتوادّون.
هذا باب الرفع فيما اتصل بالأول كاتصاله بالفاء وما
انتصب لأنه غاية
قال سيبويه : تقول : سرت حتى أدخلها ، وقد سرت حتى أدخلها سواء ، وكذلك : إني سرت حتى أدخلها ، فيما زعم الخليل.