جنده إلى الضعيف ، ما جاز ولا أدّى عن معنى حتى ، فإن قدّرناه بقولنا : استجرأ على الأمير جنده حتى انتهى استجراؤهم إلى الضعيف الذي لا سلاح له كان ذلك بزيادة كثيرة ، وكانت إلى في صلة انتهى لا في صلة حتى ، والذي ذكره الكسائي من إضمار ذكر إلى بعد حتى شيء منكر لا يعرف ، وإذا جعلنا الخفض بنفس حتى على مذهب سيبويه فلا يخرج ذلك عن قياس النحو ، وعن المتناولات العربية ، وذلك أنّ حتى قد يليها المخفوض في حال ، ويكون ما بعدها غير مخفوض في حال ، ولها نظائر مما تخفض في حال ويبطل خفضها في حال نحو : منذ ، ومذ ، وخلا ، وحاشى في الاستثناء ، فظهور الخفض بعدها إذا لم يقم برهان على إضمار حرف خافض يوجب أنّها هي الخافضة ، كما أنّ هذه الحروف هي الخافضة ، ويدلّ على أنّها هي الخافضة قولهم : حتّام وحتّامه ، وإلام وإلامه ، وأصلها : حتى ما ، وما للاستفهام ولا تسقط عنها الألف إلا أن يدخل عليها خافض ، فعلم بذلك أنّ حتى خافضة. فلمّا كانت خافضة في الاسم إذا كانت غاية ، ثم رأيناها تدخل على الفعل في معنى الغاية ، جعلنا السّبيل فيهما واحدا ، وبقّيناها على خفضها ، وأحوجنا ما وجب لها من عمل الخفض أن نجعل ما عملت فيه اسما ، ولا يكون الفعل اسما إلا بأن يقرب به أن ؛ لأنّها والفعل بمنزلة المصدر ، وإذا قدرناه لم يبعد تقديره ؛ لأنّا لو قلنا لرجل : أقم حتى يقدم زيد ، وقف حتى تطلع الشمس ، فحتى هي للغاية ، وإذا جئنا ب (إلى) التي هي للغاية كحتى وإن كانت تخالفها في معنى آخر قلنا : أقم إلى أن يقدم زيد ، وقف إلى أن تطلع الشّمس ؛ فموقع إلى موقع حتّى ، ولا يجتمعان ؛ لأن إحداهما تغني عن الأخرى.
ويدلّك على أنّ حتى في موضع إلى في هذا الموضع أنّك تقول : أقم إلى قدوم زيد ، وأقم حتى قدوم زيد ، كما قال عزوجل : (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ،) وهذا أحد وجهي نصب الفعل بحتّي وهو الغاية ، ولم يذكروا بعد حتى أن كما ذكروها بعد إلى ؛ لأنّ إلى لا تدخل إلا على الأسماء ولا يبطل الخفض بها ولا يقدّر إلغاؤه فيها.
وحتى يبطل عملها في أحوال ؛ فتدخل على الأسماء بمعنى حروف العطف في قولك : رأيت القوم حتى زيدا ، وجاءني القوم حتى زيد ، وتدخل على الأفعال فتنصبها على غير وجه الغاية ، وتدخل عليها العوامل ولا تعمل شيئا ، وتكون كحروف الابتداء نحو : الواو والفاء ، فلمّا كانت كذلك ألزموا إلى أن ؛ لتظهر اسمية ما دخلت عليه ، وقوّة لزومها الخفض ، ومن أجل ذلك أيضا حسن ظهور أن بعد اللام المكسورة ، ولا يحسن ظهورها بعد حتّى ، وقد ذكرنا حسن سقوط أن بعد اللام والفرق بينها وبين غيرها من