الرفع إذا أردت العطف على الماضي ؛ وقد ذكرناه في باب الجواب بالفاء وقوله (ما عدوت أن آتيك) فيه وجهان :
أحدهما : أن تريد : ما عدوت فيما مضى أن آتيك فيما استقبل ، ومعناه : رأيت فيما مضى أن آتيك فيما استقبل ، وما تجاوزت فيما مضى اعتقاد أن آتيك في المستقبل.
والوجه الآخر : ما عدوت فيما مضى أن آتيك وتجعل (آتيك) في موضع (آتيتك) ؛ وهذا معنى قوله : ويجوز أن تجعل (أفعل) في موضع (فعلت) ؛ وإنما جاز ذلك لأنك تقول : كنت أتيتك ، وكنت آتيك ، ومعناهما واحد ، وجئتك إذ قام زيد ، وإذ يقوم زيد ، ومعناهما واحد ؛ وإنما يجوز ذلك إذا تقدم قبله شيء قد مضى ، أو شيء فيه دلالة على المعنى ، والفعل المستقبل مصاحب له ، كما تقول : جاءني زيد أمس يضحك ، و (يضحك) وإن كان ماضيا وهو بمنزلة الحال لمصاحبته لجاءني ؛ وكونه في وقته ، ولا يجوز الماضي في موضع المستقبل إلّا في المجازاة نحو : إن فعلت فعلت ، لو قلت : يكون زيد قام ، لم يجز كما جاز : كان زيد يقوم ؛ فهذا فرق واضح وقوله : ما أعدو أن جالستك ، فمعناه : ما أعدو الساعة مجالستك فيما مضى ، كأن المجالسة فيما مضى شيء قد ثبت ، فهو لا يعدوه ولا يتجاوزه ، كما تقول : لا أعدو زيدا ، ولا أعدو دارك ومنزلك ، أي : لا أعدو ذلك إلى غيره.
وإنما لم يجز (ما أعدو أن أجالسك أمس) ، لأن قولك (أعدو) مستقبل ، وإذا كان ابتداء الكلام مستقبلا ، لم يجز أن يكون بعده المستقبل في معنى الماضي ، وإنما قال : (أن) لا يجوز (ويقصد) لأنه جعله بمنزلة : وينبغي له أن يقصد ، فناب (يقصد) عن (ينبغي له أن يقصد) ؛ ومن أجل ذلك تضمن معنى الأمر ، ولم يحمل على (أن) ؛ ومثله في القرآن : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ،)(١) وفيها معنى : ينبغي لهن أن يرضعن ، ويكون في ذلك معنى الأمر ، وإن لم يكن لفظ الأمر ، كما لو قال المولى لعبده : الواجب عليك أن تفعل ، أو الذي أريده منك أن تخرج إلى السوق ، وجب عليه فعل ذلك ، وإن لم يظهر لفظ الأمر له بذلك.
هذا باب الجزاء
فما يجازى به من الأسماء غير الظروف : من ، وما ، وأيّهم. وما يجزي به من
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٣.