إنّ الكريم وأبيك يعتمل |
|
إن لم يجد يوما على من يتّكل (١) |
وفيه وجهان : أحدهما يعتمل على من يتكل عليه ، معناه إنه يحترف ويعمل بيديه على محتاج إليه ، أو عيال له يتكل عليه إن لم يصب مالا يعولهم به ، وينفق عليهم منه ، فكرمه يحمله على أن يعمل بيديه حتى ينفق عليهم منه ، والآخر ما ذكره الزجاج ، وذلك أنه جعل عليه معنى عنده ، وجعل الذي يعتمل على نفسه إذا لم يجد عند من يتكل عليه شيئا ينفقه على نفسه أو عياله ، اعتمل حتى ينفق ، والمعتمل في هذا غير المتكل عليه ، وفي القول الأول هو المتكل عليه ، والقول الأول أوضح وأقرب ، وغير سيبويه يذهب إلى أن الكلام قد تم عند قوله : إن لم يجد يوما.
وقوله : على من يتكل كلام مستأنف على جهة الاستفهام ، وليس في هذا الكلام محذوف يقدّر ، وقول سيبويه أولى ، لأن الظاهر كلام واحد ، ولا يفرد بعضه عن بعض إلا بدلالة ، وأصل الكلام فيه. ألا يحذف الحرف الذي يقتضيه أحد الفعلين لذكره في الآخر ، لأن لكل واحد من الفعلين حكم نفسه وباقي الباب مفهوم.
هذا باب الجزاء إذا دخلت فيه ألف الاستفهام
وذلك قولك : أإن تأتني آتك ، ولا تكتفي بمن لأنها حرف جزاء ، ومتى مثلها ؛ فمن ثمّ أدخلت عليه الألف ، تقول : أمتى تشتمني أشتمك وأ من يقل ذاك أزره ، وذلك لأنك أدخلت الألف على كلام قد عمل بعضه في بعض فلم تغيرّه ، وإنما الألف بمنزلة الواو والفاء ولا ونحو ذلك لا يغيرّ الكلام عن حاله ، وليست كإذ وهل وأشباههما ألا ترى أنها تدخل على المجرور والمنصوب والمرفوع فتدعه على حاله ولا تغيّره عن لفظه المستفهم ، ألا ترى أنه يقول : مررت بزيد ، فتقول : أزيد ، وإن شئت قلت : أزيد تأتيه ، وكذلك تقول في الرفع والنصب ، وإن شئت أدخلتها على كلام المخبر ، ولم تحذف منه شيئا ، وذلك إذا قال : مررت بزيد ، قلت : أمررت بزيد ، ولا يجوز ذلك في هل وأخواتها.
لو قلت : هل مررت بزيد ، كنت مستأنفا ، ألا ترى أن الألف لغو ، فإن قيل : فإن الألف لا بد لها من أن تكون معتمدة على شيء ، فإن هذا الكلام معتمد لها ، كما يكون صلة للذي إذا قلت : الذي إن تأته يأتك زيد ، فهذا كله وصل.
__________________
(١) البيت سبق تخريجه.