هذا باب استعمالهم علامة الإضمار الذي لا يقع
موقع ما يضمر في الفعل
الذي لم يقع موقعه
قال سيبويه : " فمن ذلك قولهم : (كيف أنت؟ وأين هو؟ من قبل أنك لا تقدر على التاء هاهنا ، ولا على الإضمار الذي في فعل. ومثل ذلك : نحن وأنتم ذاهبون ؛ لأنك لا تقدر هاهنا على التاء والميم التي في فعلتم ، كما لا تقدر في الأول على التاء التي في فعلت. وكذلك جاء عبد الله وأنت ؛ لأنك لا تقدر على التاء التي تكون في الفعل. وتقول : فيها أنتم ؛ لأنك لا تقدر على التاء. هاهنا وفيها هم قياما ، بتلك المنزلة ؛ لأنك لا تقدر هنا على الإضمار الذي في فعل.
ومثل ذلك : أما الخبيث فأنت ، وأمّا العاقل فهو ؛ لأنك لا تقدر هنا على شيء مما ذكرنا. وكذلك : كنّا وأنت ذاهبين ، وكذلك : أهو هو. قال الله عزوجل : (كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ ...) [النمل : ٤٢] ؛ فوقع هو هاهنا لأنك لا تقدر على الإضمار الذي في فعل. وقال الشاعر :
فكأنّها هي بعد غبّ كلالها |
|
أو أسفع الخدّين شاة إران (١) |
وتقول : ما جاء إلا أنا. قال عمرو بن معدي كرب :
قد علمت سلمى وجاراتها |
|
ما قطّر الفارس إلا أنّا (٢) |
وكذلك ها أنا ذا ، وها نحن أولاء ، وها هو ذاك ، وها أنت ذا ، وها أنتم أولاء ، وها أنتن أولاء.
وإنما استعملت هذه الحروف هاهنا لأنك لا تقدر على شيء من الحروف التي تكون علامة في الفعل ، ولا على الإضمار الذي في فعل.
وزعم الخليل أن (ها) هاهنا هي التي مع (ذا) إذا قلت : (هذا) ، وإنما أرادوا أن يقولوا : هذا أنت ، ولكنهم جعلوا أنت بين ها وذا ؛ وأرادوا أن يقولوا : أنا هذا وهذا أنا ، فقدموا ها وصارت أنا بينهما.
__________________
(١) البيت منسوب للبيد بن ربيعة ١٤٣ ، الكتاب ٢ / ٣٥٣ ؛ وفي لسان العرب ، وتاج العروس (أرن ، شوه).
(٢) البيت في ديوانه ١٥٥ ؛ والكتاب ٢ / ٣٥٣ ؛ لسان العرب ، وتاج العروس (قطر).