وزعم أبو الخطاب أنّ بعض العرب الموثوق بهم يقولون : هذا أنا وأنا هذا.
ومثل ما قال الخليل في هذا قول الشاعر وهو لبيد :
ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا |
|
فقلت لهم هذا لها ها وذا ليا (١) |
كأنه أراد أن يقول : وهذا لي ، فصيّر الواو بين ها وذا.
وزعم أن مثل ذلك إي ها الله ذا ، إنما هو هذا.
وقد تكون ها في ها أنت ذا غير مقدمة ، ولكنها تكون بمنزلتها في هذا ؛ يدلّك على ذلك قوله : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) [آل عمران : ٦٦] ، فلو كانت ها هاهنا هي التي تكون مع أولاء إذا قلت : هؤلاء ، لم تعد هاهنا بعد أنتم.
وحدثنا يونس أيضا تصديقا لقول أبي الخطاب ، أنّ العرب تقول : هذا أنت تقول كذا وكذا ، لم يرد بقوله : هذا أنت ، أن يعرّفه نفسه ، كأنك تريد أن تعلمه أنه ليس غيره. هذا محال ، ولكنه أراد أن ينبهه ، كأنه قال : الحاضر عندنا أنت ، أو الحاضر القائل كذا وكذا.
وإن شئت لم تقدم ها في هذا الباب ، قال الله عزوجل : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ)(٢).
قال أبو سعيد : قد بينا أن الضمير المنفصل هو الذي لا يلي عاملا ، ولا يتصل به ، إمّا أن يكون معرّى من عامل لفظي ، أو يكون مقدما على عامله ، أو مفصولا بينه وبينه بحرف استثناء ، أو حرف عطف ، أو بشيء يفصل بينه وبين عامله فصلا لازما.
فأما ضمير المرفوع المنفصل فله خمسة مواضع : الابتداء ، وخبره ، وخبر إنّ وأخواتها بمنزلة خبره ، وبعد حرف الاستثناء ، وبعد حرف العطف.
فالابتداء والخبر معرّيان من عامل لفظي ، وضميرهما منفصل كقولك : (كيف أنت؟) و (أين هو؟) ؛ كيف وأين خبران مقدمان ، وأنت وهو مبتدآن ، وكذلك نحن وأنتم ذاهبون ؛ نحن مبتدأ ، وأنتم عطف عليه ، و (ذاهبون) خبرهما ، وكذلك (جاء عبد الله وأنت) أنت عطف على عبد الله ، وانفصل لأنه وقع بعد حرف العطف ، ولم يلتزق بالعامل ، ولم يمكن ذلك فيه.
__________________
(١) البيت في ديوانه ٣٦٠ ؛ والخزانة ٤٦١ ؛ ابن يعيش ٨ / ١١٤ ؛ الكتاب ٢ / ٣٥٤ ؛ المقتضب ٢ / ٣٢٢.
(٢) سورة البقرة ، من الآية : ٨٥.