عامله بالتقدّم عليه ، وبالفصل بينه وبينه ، فضميره منفصل من عامله.
ومن المنفصل أيضا ضمير الاسم الذي لا لفظ يعمل فيه فيتصل به.
وجملة الضمير تجري مجرى حروف المعاني التي تستعمل في الأشياء المختلفة ، وهي حروف قليلة محصورة تستعمل فيما لا يحصي من الأسماء والأفعال ، كحروف العطف ، وحروف الخفض ، وحروف النصب في الأسماء والأفعال ، وحروف الجزم وحروف الاستفهام وما جرى مجراهن ، وكذلك الضمائر هي ضمائر أسماء مختلفة بألفاظ قليلة محصورة تتكرر على كل المضمرات ، فلما كانت كذلك قلّلت حروفها ، فجعل ما كان منها متصلا على حرف ، إلا أن يكون هاء فيزاد عليه حرف آخر لخفائه ، كالتاء في قمت ، والكاف في ضربتك ، وجعل بعض المتصل في النية كالضمير في أفعل ونفعل وتفعل ، وفي زيد قام ، وزيد في التثنية والجمع ، واحتمل أن يكون على حرف واحد ؛ لأنه يتصل بما قبله من حروف الكلمة.
وإذا كان منفصلا كان على حرفين أو أكثر ؛ لأنه لا يمكن إفراد كلمة على حرف واحد ، والمنفصل منفرد عن غيره بمنزلة الاسم الظاهر ، وهذه سبيل حروف المعاني ؛ منها ما هو على حرف واحد كواو العطف والباء واللام ، ومنها ما هو على أكثر من حرف ك (عن وعلى).
ومن أجل أنّ المتصل أقلّ حروفا من المنفصل كان النطق بالمتصل أخفّ ، فلم يستعملوا المنفصل في المواضع التي يقع فيها المتصل ؛ لأنهم لا يؤثرون الأثقل على الأخفّ إلا في الضرورة ، وهذا الذي ضمّنه سيبويه الباب حين قال : (لا يقع أنت موضع التاء في فعلت ، ولا أنتما في موضع تما التي في فعلتما ، وسائر ما ذكره إثر هذه إلى آخر الباب.
فإن قال قائل : فلم تغيرت حروف المضمرات وصيغتها في الرفع والنصب؟ فيقال : أنت في الرفع ، وإياك في النصب ، والتاء في ضربتك للمرفوع ، والكاف للمنصوب ، ومن سبيل الأسماء الظاهرة أن لا تتغير حروفها وصيغتها كقولك : (هذا زيد) ، و (رأيت زيدا) و (مررت بزيد)؟
قيل : لمّا كانت الضمائر واقعة مواقع الأسماء المعربة المختلفة الإعراب ، وهي مبنية ، جعلوا العوض من الإعراب الدّال على المعاني المختلفة تغيير صيغة ؛ ليدلّ على مثل ما دلّ عليه الإعراب وهو مبني.