يشبهوها بما يجزم مما ذكرنا ، إلا أن حروف الجزاء يدخلها فعل ويفعل ، ويكون فيها الاستفهام فترفع فيها الأسماء ، وتكون بمنزلة (الذي) فلما كانت تصرف هذا التصرف ، وتفارق الجزم ضارعت ما يجر من الأسماء التي إن شئت استعملتها غير مضافة نحو ضارب عبد الله ، لأنك إن شئت نونت ونصبت ، وإن شئت لم تجاوز الاسم العامل في الآخر ، يعني ضارب ، ولذلك لم يكن مثل (لم) أو (لا) في النهي واللام في الأمر لأنهن لا يفارقن الجزم ، ويجوز الفرق في الكلام في (إن) إذا لم تجزم في اللفظ
نحو قوله :
عاود هراة وإن معمودها خربا (١)
فإن جزمت ففي الشعر ، لأنه يشبّه بلم ؛ وإنما جاز في الفصل ولم يشبه (لم) لأن (لم) لا يقع بعدها فعل ، وإنما جاز في (إن) لأنها أصل الجزاء ولا تفارقه ، فجاز هذا ، كما جاز إضمار الفعل فيها حين قالوا : إن خيرا فخير وإن شرّا فشر ، وأما سائر حروف الجزاء ، فهذا ضعيف فيه في الكلام لأنها ليست كإن ، فلو جاز في إن ، وقد جزمت كان أقوى إذ جاز فيها (فعل).
ومما جاء في الشعر مجزوما في غير (إن) قول عدي بن زيد :
فمتى واغل ينبهم يحيوّ |
|
ه وتعطف عليه كأس السّاقي (٢) |
وقال :
صعدة نابتة في حائر |
|
أينما الرّيح تميّلها تمل (٣) |
ولو كان (فعل) كان أقوى إذ كان ذلك جائزا في (إن) في الكلام.
واعلم أن قولهم في الشعر : إن زيد يأتك يكن كذا ، إنما يقع على فعل هذا تفسيره ، كما كان ذلك في قولك : إن زيدا رأيته يكن ذلك ، لأنه لا تبتدأ بعدها الأسماء ثم يبنى عليها ، فإن قلت : إن يأتني زيد يقل ذاك ، جاز على قول من قال : زيدا ضربته ، إن تأتني فأنا خير لك حسنا ، وإن لم يحمله على ذلك رفع وجاز في الشعر ، كقوله :
__________________
(١) صدر بيت لم نقف على قائله وعجزه ، الكتاب ٣ / ١١٢ ؛ ولسان العرب مادة (طرب).
(٢) البيت في ديوانه ١٥٦ ، والكتاب ٣ / ١١٣.
(٣) البيت ورد منسوبا لكعب بن جعبل ، في الخزانة ٣ / ٤٧ ؛ والكتاب ٣ / ١١٣.