بالرفع الذي هو أول الإعراب فجعلوا له سببا لا يتعلق بغيره ، ولا يخرج الرفع عن ترتيبه. وقول الفرّاء في ذلك قول مدخول ولفظه غير صحيح ؛ وذلك أنّ الرفع أول أحوال الفعل ؛ فإذا رفعناه من قبل وجود المنصوب والمجزوم فلا بدّ من حال مقترنة به توجب له الرفع غير منسوبة إلى شيء لم يكن بعد ، وإنما يقال : سلم فلان من كذا إذا كان قد دخل فيه ولابسه.
وقال الكسائيّ وأتباعه من الكوفيين : الفعل المستقبل يرتفع بالزوائد الأربع : الألف والنون والتّاء والياء.
قال أبو سعيد : وهذا قول يفسد من وجهين :
أحدهما : أنّ هذه الزوائد موجودة في حال النصب والجزم ، والعامل إذا حضر ووقع على المعمول فيه عمل عمله.
والوجه الآخر : أنّ هذه الزوائد من نفس الفعل وتمام معناه ، ولا تنفصل منه في لفظ ولا في معنى ينفرد به. فكيف تعمل فيه ولا تنفرد منه ولا تفارقه؟ وليس بمنزلة أن يذهب ؛ لأنّ أن منفصلة اللفظ من يذهب ، ويذهب منفرد بنفسه ولفظه.
قال أبو سعيد : وأمّا نصب الفعل فالأصل فيه أن ، وذاك أنّ أن الناصبة هي وما بعدها بمعنى المصدر ، وأنّ المشدّدة المفتوحة الناصبة هي وما بعدها من الاسم والخبر بمنزلة المصدر ، كقولك : أريد أن تخرج ، ومعناه : أريد خروجك ، وبلغني أنّك تخرج ، بمعنى : بلغني خروجك ، وبعد فهما يشتركان فيما كان من أفعال الظّنّ والخوف ، كقولك : حسبت أنّك لا تقوم ، وحسبت أن لا تقوم ، ويتعاقبان على الأفعال التي للإيجاب ، وغير الإيجاب ؛ كان للإيجاب انفرد به المشدّد كقولك : عرفت أنّك تخرج ، وما كان لغير الإيجاب انفرد به المخفّف كقولك : اشتهيت أن تخرج ، وأردت أن تخرج ، فحمل نصب الفعل بأن على نصب الاسم ب" أنّ" لما ذكرناه.
ولن وكي وإذا محمولة على أن في النصب لمشاركتها لها في الاستقبال ؛ والدليل على ذلك أنّ إذا قد تدخل على الحال فيبطل النصب بها ، وستقف على ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
وقد ذكر سيبويه عن الخليل : في لن أنّ أصلها لا أن ، وحكى الكوفيّون عن الكسائي مثل قول الخليل.
قال أبو سعيد : والمختار قول غير الخليل ، والحجّة فيه سوى ما ذكره سيبويه ، أنّا إذا قلنا : لن أضرب زيدا ، كان كلاما كاملا تاما لا يحتاج إلى إضمار شيء ، وإذا قلنا : لا