تقديره العطف كأنه قال : لا يكن دنو فأكل ، وإن لم تدخل الفاء ورفعت جاز على الاستئناف كقولك :
لا تدن من الأسد يأكلك ، أي هو مما يأكلك فاحذره ؛ ومثله مما سمعه من العرب :
لا تذهب به تغلب عليه. وقوله مره يحفرها ، وقل له يقل ذاك على وجهين :
أحدهما على الجواب كأنه قال : مره إن تأمره يحفرها ، وإن تقل له يقل ذاك ثقة بأن الثاني يقع إذا وقع الأول أو تغليبا للظن في ذلك.
والوجه الثاني : أن يكون حكاية فعل الأمر وهو مبني ، وزيدت فيه الياء لأنه غائب ، وهو مستقبل كأنه قال : مره : احفرها وقل له : قل ذاك ، ودخلت الياء لأن صاحب الفعل غائب ، كما تقول :
حلف زيد ليخرجنّ ، ولفظ يمينه لأخرجنّ ، ومثله قول الله عزوجل ـ : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ)(١).
على الوجهين أحدهما : قل لهم إن تقل يقيموا وينفقوا لأن دعاء النبي صلىاللهعليهوسلم للمؤمنين وقوله لهم سبب إقامتهم للصلاة واتفاقهم ، وإن كان بعض من دعي لم يفعل ذلك ، والوجه الآخر إنه أمر دخل في أوله الياء لما ذكرته لك من غيبة الفاعلين ، كأنه قال : قل لهم أقيموا الصلاة وأنفقوا ، وهذا قول لم يذكره سيبويه ، ولا من تقدم من أصحابنا ، وذكره الفراء ، ورأيت الزجاج يحكيه عن المازني ، وقوّاه الزجاج ، ولعل المازني أخذه عن الفراء ، ورأيت أبا العباس المبرد ذكر ـ في المقتضب ـ (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(٢) وفيما ذكره تخليط فكرهت ذكره ، وإذا قلت : مره يحفرها ، ونحو ذلك جاز في (يحفرها) الرفع من وجهين ـ فيما ذكره سيبويه ـ : أحدهما على الابتداء والاستئناف ، فكأنه قال : مره فإنه يحفرها ولا يخالف ، والوجه الآخر على معنى مره أن يحفرها ، وأسقط (أن) ورفع ، كما تقول : عسينا أن نفعل ، ثم تقول : عسينا نفعل ، ومثله :
ألا أيّهذا الزّاجري أحضر (٣)
والمعنى أن احضر الوغى ، وإذا رفع صار تقديره اسم فاعل ، وإذا الوغى رفع صار تقديره تقدير اسم فاعل ، وإذا ظهرت أن ونصب صار تقديره تقدير مصدر ، فإذا قلت :
__________________
(١) سورة إبراهيم ، الآية : ٣١.
(٢) سورة الإسراء ، الآية : ٥٣.
(٣) صدر بيت سبق تخريجه.