الحق ينتصب بإضمار فعل تفسيره (فقفوا) كأنه قال : والحقّ فالزموا ، ودخلت الفاء لأنها تدخل زائدة في الأمر ، كقولك : يزيد فأمرن.
... وتؤتون فيه الوفاء معترفا (١)
ويروى معترفا فمن كسر صيّر الحق معترفا لهم بذلك ، ومن فتحه فهو بمعنى اعترافا.
وقوله : (نعيش) على الاستئناف فظاهر صحيح اللفظ والمعنى كأن حيّين أو جمعين خاطب أحدهما الآخر ، فقال :
كونوا كمن آسى أخاه بنفسه
ثم استأنف :
نعيش جميعا أو نموت كلانا (٢)
ولفظ كلانا لفظ رجلين لأن الحيين والجمعين كالرجلين في اللفظ وأما قول الخليل نعيش على كونوا نعيش ، وجعل نعيش خبرا لكونوا ، فظاهر الكلام يمنع من ذلك لأن الواو في كونوا اسم للمخاطبين ليس للمتكلم فيها شيء ، والمتكلم خارج عنها ، وقولك نعيش للمتكلم إذا كان معه غيره ، فكيف يجوز أن يكون ما للمتكلم خبرا عن المخاطب من غير ضمير عائد إليه ، ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول : كان الزيدون نقوم جميعا ، وظاهر الكلام كونوا نعيشون ، أو لنكن نعيش ، وقد تقبّل أصحابنا ما قاله الخليل ، وما اعترض فيه بشيء أحد علمته منهم.
قال أبو سعيد : وإذا حمل هذا على معناه احتمل ، وذلك أن يكونوا قوما اجتمعوا فتواصوا بالتآلف ، وترك الفرقة ، فيكون متكلمهم إذا أوصاهم بشيء فهو داخل معهم فيه فلا فرق بين أن يأمرهم وهو في المعنى داخل معهم ، وبين أن يكون لفظ الأمر لنفسه وهم معه فيصير قوله كونوا كقوله : لنكن ، وإذا قال : لنكن نعيش جميعا فنعيش خبر فهذا محمول على معناه ، والله أعلم بالمقاصد ، ولم يجز : لا تدن من الأسد يأكلك لأنه إذا انجزم أضمر شرطا تقديره لفظ النهي كأنه قال :
لا تدن منه يأكلك ، وهذا محال ؛ لأنه يصيّر تباعده منه سببا لأكله ؛ فإن قلت : لا تدن من الأسد فيأكلك بالفاء والنصب جاز ، وحسن لأن الجواب بالفاء والمنصوب
__________________
(١) عجز بيت سبق تخريجه.
(٢) انظر بيت معروف الدبيري السابق تخريجه.