وأمسى.
ويدلّك على أن أصبح وأمسى كذلك ، أنك تقول : أصبح أباك ، وأمسى أخاك ، فلو كانتا بمنزلة جاء وركب لقبح أن تقول : أصبح العاقل وأمسى الظريف ، كما يقبح ذلك في : جاء وركب ونحوهما. فإنما يدلّك على أنهما بمنزلة ظننت أنه يذكر بعد الاسم فيهما ما يذكر في الابتداء.
واعلم أن ما كان فصلا لا يغيّر ما بعده عن حاله قبل أن يذكر ، وذلك قولك : حسبت زيدا هو خيرا منك ، وكان عبد الله هو الظريف ، وقال عزوجل : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَ)(١).
وقد زعم ناس أن (هو) هاهنا صفة ، وليس من عربيّ يجعلها صفة لمظهر. ولو كان كذلك لجاز : مررت بعبد الله هو نفسه ، ف (هو) هاهنا مستكرهة لا يتكلّم بها العرب ؛ لأنه ليس من مواضعها عندهم. ويدخل عليهم : إن كان زيد لهو الظريف ، وإن كنّا لنحن الصّالحين ؛ فالعرب تنصب هذا والنحويون أجمعون ، ولا تكون هو ونحن صفة وفيهما اللام.
ومن ذلك قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ)(٢) ، كأنه قال : ولا يحسبنّ الذين يبخلون البخل خيرا لهم. ولم يذكر البخل اجتزاء بعلم المخاطب بأنّه البخل ، لذكره يبخلون.
ومثل ذلك قول العرب : (من كذب كان شرّا له) ، لا يقول : كان الكذب شرّا له ، استغناء بأنّ المخاطب قد علم أنّه الكذب لقوله : كذب في أوّل حديثه ؛ فصارت هو وأخواتها بمنزلة (ما) إذا كانت لغوا ، في أنها لا تغيّر ما بعدها عن حاله قبل أن تذكر.
واعلم أنها تكون في إنّ وأخواتها فصلا وفي الابتداء ، ولكنّ ما بعدها مرفوع ؛ لأنه مرفوع قبل أن تذكر الفصل.
واعلم أنّ هو لا يحسن أن تكون فصلا حتى يكون ما بعدها معرفة أو ما أشبه المعرفة ، مما طال ولم تدخله الألف واللام ، فضارع زيدا وعمرا ، نحو : خير منك ،
__________________
(١) سورة سبأ ، الآية : ٦.
(٢) سورة آل عمران ، الآية : ١٨٠.