وأفضل منك ، وشرّ منك ، كما أنها لا تكون في الفصل إلا وقبلها معرفة ، كذلك لا يكون ما بعدها إلا معرفة أو ما ضارعها. فلو قلت : كان زيد هو منطلقا ، كان قبيحا حتى تذكر الأسماء التي ذكرت لك من المعروفة أو ما ضارعها من النكرة ولم تدخله الألف واللام.
وأما قوله : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً) [الكهف : ٣٩] فقد تكون أنا فصلا وصفة ، وكذلك : (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) [المزمل : ٢٠].
وقد جعل ناس كثير من العرب هو وأخواتها في هذا الباب بمنزلة اسم مبتدأ وما بعده مبنيّا عليه ، كأنّك قلت : ظننت زيدا أبوه خير منه ، فمن ذلك أنه بلغنا أنّ رؤبة كان يقول : أظنّ زيدا هو خير منك ، وحدّثنا عيسى أنّ ناسا كثيرا من العرب يقولون : وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظّالمون.
وقال قيس بن ذريح :
تبكّي على لبنى وأنت تركتها |
|
وكنت عليها بالملا أنت أقدر (١) |
وكان أبو عمرو يقول : إن كان هذا لهو العاقل.
وأمّا قولهم : (كلّ مولود يولد على الفطرة ، حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه) ، ففيه ثلاثة أوجه : فالرفع وجهان والنصب وجه واحد.
فأحد وجهي الرفع : أن يكون المولود مضمرا في يكون ، والأبوان مبتدآن ، وما بعدهما مبني عليهما ، كأنه قال : حتى يكون المولود أبواه اللذان يهوّدانه. ومثل ذلك قول رجل من بني عبس :
إذا ما المرء كان أبوه عبس |
|
فحسبك ما تريد إلى الكلام (٢) |
والوجه الآخر : أن تعمل يكون في الأبوين ، ويكون هما مبتدأ. والنصب على أن تجعل هما فصلا.
وإذا قلت : كان زيد أنت خير منه ، أو كنت يومئذ أنا خير منك ، فليس إلا الرفع ؛ لأنك إنّما تفصل بالذي تعني به الأول إذا كان ما بعد الفصل هو الأول وكان
__________________
(١) البيت في ديوانه ٤٦ ، ابن يعيش ٣ / ١١٢ ؛ الكتاب ٢ / ٣٩٣ ؛ لسان العرب وتاج العروس (ملو) ؛ المقتضب ٤ / ١٠٥.
(٢) البيت بلا نسبة في الكتاب ٢ / ٣٩٤ ؛ اللسان (نصر).