فالمتعلق بالمفعول الواحد قولك : (من رؤية العين) ، وضربته ، وأكرمته.
والمتعلق بالمفعولين وأحدهما غير الآخر : أعطيت زيدا درهما ، وألبست أخاك ثوبا.
وأما ما يقع الفصل فهو ما كان من الفعل متعلقا باسمين أحدهما هو الآخر ، والثاني منهما خبر الاسم الأوّل ، ويدخل الفصل بعد الاسم الأول ليؤذن أنّ الاسم قد تمّ وبقي الخبر حسب ، وقد ضمّن سيبويه أحكامه ومسائله الباب الذي يلي هذا.
والذي يسمّى فصلا هو ضمير الاسم الأوّل ، يفصل به بين الاسم الأول والثاني ، ولفظه كلفظ التّوكيد الذي هو ضمير الاسم الأول ، غير أنّ التوكيد لا يدخل إلا على مضمر في كلّ فعل ، والفصل يدخل بين الظاهرين وبين المضمرين.
وقوله : رأيت زيدا هو خيرا منك ، وقول الله عزوجل : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَ)(١) جميعا من رؤية القلب ، و (هو) فيهما فصل ، وفصل بين دخول إيّاه بين ضربته قائما ، وبين دخول (هو) بين رأيت زيدا هو خيرا منك ، فجعل الهاء في ضربته بمنزلة خبر المبتدإ في استغناء الكلام واكتفائه به ، وجعل قائما حالا بعد أن استغنى الكلام ، فلمّا بطل الفصل في ضربته قائما ، جعل إياه بدلا من الهاء ، فقال : ضربته إيّاه ، وهو الذي للتّوكيد ، وهو الذي للفصل ، جميعه يراد به التوكيد ، ولا يجتمعن. ونفسه أيضا للتوكيد ، وفيها معنى التوكيد بالضمير ، غير أنه يجوز أن يجمع بين نفسه وبين الضمير لأنّهما مختلفان : أحدهما مضمر ، والآخر ظاهر ، فيقال رأيته إياه نفسه ، فإياه بدل ، ونفسه وصف ، وذكرهما توكيدا ، كما قال عزوجل : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)(٢) ولهذا قدّم توكيد الضّمير قبل النفس في المرفوع.
ومعنى قول سيبويه : (ونفسه تجزئ من (إيّا) كما تجزئ منه الصّفة) يريد أنّا إذا قلنا : رأيتك نفسك ، أو رأيته نفسه ، أجزأت نفسك عن إيّاك ، ويكون معنى : رأيتك نفسك ، كمعنى رأيتك إياك ، كما أنّ أنت إذا قلت : رأيتك أنت ، أجزأت أنت عن أن تقول : رأيتك إيّاك ؛ لأنّهما جميعا للتوكيد ، غير أن النّفس يجوز أن يؤتى بها مع الضمير الذي للتّوكيد فيكون توكيدان ، ولا يجوز أن يؤتى بضميرين متواليين للتّوكيد ؛ لا تقول : رأيتك أنت إياك ، وقد تقدّم ذكر ذلك. ومعنى قول سيبويه : (ويدلّك على بعده أنّك لا
__________________
(١) سورة سبأ ، الآية : ٦.
(٢) سورة الحجر ، الآية : ٣٠.