وقال تعالى : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَ)(١). وإنما يكون الفصل في الأفعال التي الأسماء بعدها بمنزلتها في الابتداء.
فأمّا ضربت وقتلت ونحوهما فإن الأسماء بعدها بمنزلة المبنيّ على المبتدإ ، وإنّما كان يذكر قائما بعد ما يستغنى الكلام ويكتفي ، وينتصب على أنّه حال ، فصار هذا كقولك : رأيته إيّاه يوم الجمعة.
وأمّا نفسه حين قلت : رأيته إيّاه نفسه ، فوصف بمنزلة هو ، وإياه بدل ، وإنما ذكرتهما توكيدا ، كقوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)(٢) ؛ إلا أنّ إيّاه بدل والنفس وصف ، كأنك قلت : رأيت الرجل زيدا نفسه ، وزيد بدل ونفسه على الاسم. وإنّما ذكرت هذا للتمثيل. وإنما كان الفصل في أظنّ ونحوه لأنّه موضع يلزمه فيه الخبر ، وهو ألزم له من التوكيد ؛ لأنه لا يجد منه بدا. وإنما فصل لما لا بدّ له منه ، ونفسه يجزئ من إيّا ، كما تجزئ منه الصفة ؛ لأنّك جئت بها توكيدا وتوضيحا ، فصارت كالصّفة.
ويدلّك على بعده أنك لا تقول : إنك أنت إياك خير منه. فإن قلت : أظنه هو خيرا منه ، جاز أن تقول : إياه ؛ لأن هذا ليس موضع فصل ، واستغنى الكلام به ، فصار كقولك : ضربته ، وكان الخليل يقول : هي عربيّة : إنك أنت إياك خير منه : فإذا قلت : إنك فيها إياك ، فهو مثل أظنّه خيرا منه ، يجوز أن تقول : إياك.
ونظير إيّا في الرفع : أنت وأخواتها.
واعلم أنها في الفعل أقوى منها في أن تغني إيا في البدل وغيره ، ويدلك على أن الفصل كالصفة أنه لا يستقيم أن تقول : أظنّه هو إياه خيرا منك ، إذا كان أحدهما لم يكن الآخر ، ولا يجوز : أظنّه هو هو أخاك ، إذا جعلت إحداهما صفة والأخرى فصلا ؛ لأنّ كل واحدة منهما تجزئ من أختها).
قال أبو سعيد : بدأ سيبويه في هذا الباب بالفعل الذي لا يجوز فيه الفصل ، ويجوز فيه التّوكيد والبدل ، وهو كلّ فعل لم يتعلق باسمين أحدهما هو الآخر ، فإذا تعلّق الفعل بمفعول واحد أو تعلّق بمفعولين أحدهما غير الآخر لم يكن فيه فصل.
__________________
(١) سورة سبأ ، من الآية : ٦.
(٢) سورة الحجر ، الآية : ٣٠ ، وسورة ص ، الآية : ٧٣.