فعلوا ذلك ؛ لأنّها قد تصرّفت فأعملت وألغيت ، ووقعت لما لم يأت ، ولما هو في الحال ، وتقدمت وتوسّطت وتأخّرت ، فلما كثر تصرّفها وانفتح ما قبل نونها ضارعوا بها التنوين والنون الخفيفة في الفعل إذا انفتح ما قبلها.
وذكر أبو بكر مبرمان عن عسل بن ذكوان قال : الناس إذا وقفوا على إذن وقفوا بألف ، والمازني لا يري ذا ، ويقول : هي حرف بمنزلة أن ولن ، تقف عليها كما تقف عليهما ، ويقول هي بالأدوات أشبه منها بالأسماء لأنها تعمل عمل الأدوات.
وأبو العباس المبرّد يحكي الوقف عليها بالألف ، ويرى أن لو وقفوا عليها بالنون كان جيدا على الأصل في مثلها من الحروف.
وقد اختلف القول في نصب إذن ، فقال سيبويه : هي الناصبة العاملة ، وذكر أنّ ذلك الذي سمعه هو من الخليل ، وذكر عن غيره عن الخليل أنّ أن بعدها مضمرة ، واحتجّ عليه بما ذكره في آخر الباب.
وكان أبو إسحاق الزّجّاج يذهب إلى أنّ أن بعد إذن مضمرة ، ويستدلّ على ذلك أنّ إذن لا تعمل شيئا أنها متى كانت للحال لم تعمل.
قال أبو سعيد : وهذا لا يبطل عملها لأنّا قد رأينا ما يعمل في حال ويبطل عمله في أخرى ، كقولنا : ما زيد قائما ، في لغة أهل الحجاز ، فإذا تقدم الخبر أو دخل حرف الاستثناء بطل عملها ، وقد دخل في إذن أشدّ من ذلك ؛ لأنّها إذا وقعت على الحال فليس ذلك في شيء من نواصب الفعل ، وهي في نفسها قد تلغى ، وكان ذلك من أقوي أسباب الإلغاء ، وتقديم خبر ما ودخول الاستثناء ليس مما يعدم في ليس ، وقد أبطل عمل ما المشبّهة بليس.
قال أبو سعيد : وإنّما جاز إلغاء إذن لأنّها جواب يكفي من بعض كلام المتكلم ، كما يكفي لا ونعم من كلامه ، يقول القائل : إن تزرني أزرك ، فيجاب : إذن أزورك ، والمعنى : إن تزرني أزرك ، فنابت إذن عن الشّرط ، وكفت من ذكره ، كما يقول : أزيد في الدار؟ فيقال له : نعم أولا ، وتكفي نعم من قوله : زيد في الدار ، ولا من قوله : ما زيد في الدار ، فلمّا كانت إذن جوابا قويت في الابتداء ؛ لأن الجواب لا يتقدّمه كلام ، ولمّا وسّطت وأخرّت زايلها مذهب الجواب فبطل عملها ، وإنّما جاز في الفاء والواو الإعمال والإلغاء لأنّهما للعطف ، وقد يجوز عطف جملة على جملة ليس بينهما علقة كقولك : قام زيد ببغداد ، وخرج عمرو من البصرة إلى الصّين ، وليس بين الجملتين تعلّق ، ويجوز أن يكون عطف شيء ليس بجملة على ما قبله ، فإذا أعملت إذن وقبلها واو أو فاء فهما لعطف