استغنى ، فصار كسرت ، لو قلت : فأدخلها حسن ، ولا يحسن : كان سيري فأدخل ، إلا أن تجيء خبرا لكان. واعلم أن (أسير) بمعنى (سرت) إذا أردت بأسير معنى سرت.
واعلم أن الفعل إذا كان غير واجب ، لم يكن إلا النصب ، من قبل أنه إذا لم يكن واجبا ، رجعت (حتى) إلى أن وكي ، ولم تصر من حروف الابتداء ، كما قلت : إذن أظنك ، والظن غير واقع في حال حديثك.
وتقول : أيهم سار حتى يدخلها ، لأنك قد زعمت أنه قد كان سير ودخول ، وإنما سألت عن الفاعل. ألا ترى أنك لو قلت : أين الذي سار حتى يدخلها وقد دخلها لكان حسنا ، ولجاز هو الذي يكون لما قد وقع ، لأن الفعل ثم واقع ، وليس بمنزلة (قلما سرت) إذا كان نافيا لكثر ما سرت ؛ ألا ترى أنه لو قال : قلما سرت فأدخلها أو حتى أدخلها ، وهو يريد أن يجعلها واجبة خارجة من معنى (قلما) ، لم يستقم إلا أن تقول : قلما سرت فدخلت ، وحتى دخلت ، كما تقول : ما سرت حتى دخلت. فإنما ترفع بحتى في الواجب ، ويكون ما بعدها مبتدأ منفصلا من الأول ، كان مع الأول فيما مضى أو الآن. وتقول : أسرت حتى تدخلها ، نصبت ، لأنك لم تثبت سيرا تزعم أنه قد كان معه دخول.
قال أبو سعيد : هذا الباب معتمده ذكر ما كان بعد (حتى) متصلا بما قبله ، وذلك من المرفوع ما كان متصلا بما قبله ، وقد أوجبه ما قبله ؛ ومن المنصوب ما كان غاية ، وهما يتقاربان في اشتراكهما في اتصال ما قبلهما بما بعدهما ؛ فاتصال المرفوع بما قبله كاتصال ما بعد (الفاء) بما قبلها ، ولذلك يمثله بالفاء لإيصال ووقوع الثاني عقيب الأول. ووجه رفعه هو ما ذكرته لك.
وليست (حتى) المنصوب ما بعدها من الفعل هي المرفوع ما بعدها ، لأن المرفوع ما بعدها ليست بعاملة ، والمنصوب ما بعدها حرف خفض ؛ وكل فعل كان مبناه على الإيجاب فهو مما لم يرتفع فيه الفعل بعد (حتى) ، فإن اتصل به تشكك كقولك : سار عبد الله حتى يدخلها ، أو سار حتى يدخلها أرى ، وكذلك : سار عبد الله حتى يدخلها. ويجوز أن يكون ما قبل (حتى) المرفوع ما بعدها من الفعل من باب أرى وأفعال الظن والمحسبة لأن القلوب تنعقد على ذلك ـ وإن كان فيه بعض عوارض الشك ـ كانعقادها على العلم واليقين ، ويكون اللفظ عليه كما يكون ذلك في الخبر اليقين ، وذلك قولك : أرى عبد الله سار حتى يدخلها ، وكذلك : أظن عبد الله سار حتى يدخلها.