الأول : تقدير (الفاء). إن تأتني فلأفعلن.
والآخر : نية التقديم. كأنه قال : لأفعلن إن تأتني.
وكلاهما غير حسن ، أما حذف (الفاء) فقد ذكرناه آنفا ، وأما التقديم فإنه لا يحسن مع جزم الشرط ب (إن) ، فإذا لم ينجزم بها حسن كقولك : إن أتيتني لأكرمنك ، وإن لم تأتني لأغمنك ؛ ومن أجل هذا ألزموا الشرط الفعل الماضي في اليمين ، كقولك : والله لئن أتيتني لأكرمنّك ، وو الله لئن جفوتني لا أزورك ، لأن جواب اليمين يغني عن جواب الشرط ، ويبطل جزمه ، ويصير بمنزلة ما ذكر قبله ، كأنه قال : والله لا أزورك ؛ وإنما صارت (إن) إذا جزمت اقتضت مجزوما بعدها ، لأنها بجزمها ما بعدها يظهر أنها تجزم ، وجزمها يتعلق بفعلين ، فإذا لم يظهر جزمها في الثاني صارت بمنزلة حرف جازم لا يؤتى بعده بمجزوم ؛ ومن أجل ذلك قال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ)(١) فقال : لنكونن ، لأن جزم (تغفر) بلم لا ب (إن) ؛ وقال : (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٢). لما كانت (إن) هي الجازمة ل (تغفر).
وأما قوله :
هذا سراقة للقرآن يدرسه (٣)
فذكر الأصمعي أن هذا البيت قديم ، وأن أبا عمرو أنشده إياه ، و (الهاء) في (يدرسه) للمصدر تقديره : للقرآن يدرس درسا ، وكني عن الدرس.
ولو قلنا : ضربته زيدا على هذا التأويل لجاز تقديره : ضربته الضرب زيدا وكني عنه ، لأن الضرب قد دل عليه ضربت ، ولا يحسن أن تكون (الهاء) ضمير القرآن ، لأن القرآن وإن كانت فيه (اللام) ، فقد جعل بمنزلة المفعول ، واللام في صلة (يدرس) ؛ ولو قلت : القرآن يدرسه لم يجز أن ينصب القرآن بيدرس ، و (الهاء) ضميره.
وكذلك قول الله ـ عزوجل ـ : (لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ)(٤) ، ولا يجوز (يرهبونه) و (الهاء) للرب ـ جل وعز ـ ، ومثل هذا قول زهير بن جناب :
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ٢٣.
(٢) سورة هود ، الآية : ٤٧.
(٣) صدر بيت سبق تخريجه.
(٤) سورة الأعراف ، الآية : ١٥٤.