رجل يأتيني فله درهم ، فأتاه رجلان ، فلكل واحد منهما درهم ؛ ولو قال : إن أتاني زيد فله درهم ، فأتاه مرتين لم يستحق إلا درهما واحدا ؛ وقوله : الذي يأتيني فله درهم ، دخلت الفاء.
لتبين أن الدرهم استحقه بالإتيان ، ولو قال : الذي يأتيني له درهم جاز أن يكون الدرهم يستحقه بالإتيان ، وجاز أن يكون بغيره ، كما يقول : زيد له درهم ، ولم تذكر سبب استحقاقه للدرهم ، ويجوز أن يكون الفعل ماضيا كقولك : الذي أتاني فله درهم ، يثبت أن الدرهم استحقه ومثله قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ)(١) وكان أبو الحسن الأخفش يضعف : إن الذي يأتيني فله درهم لدخول (إن) على الذي ، ويقول : الذي إنما تدخل الفاء في خبرها ، لأنه يذهب بها وبالفعل الذي بعدها مذهب الشرط ، فإذا أدخلت عليها (إن) أبطلت (إن) الشرط والمجازاة ، كقولك : من يأتيني آتيه ، ثم تقول : إن من يأتيني آتيه ، فتبطل المجازاة بدخول (إن) وتصير (من) بمعنى الذي ؛ وكان أبو إسحاق الزجاج لا يبطل حكم المجازاة عن الذي بدخول (إنّ) والقول ما قاله أبو إسحاق لأن (الذي) لا تعمل في الشرط والجزاء فتجزم ، وإنما يحمل على المجازاة في المعنى لجواز إبهامها ، ولأنها توصل بالفعل وما جرى مجراه ، فتشبه بالشرط والجزاء ، ولم يخرجها (إن) عن ذلك ، لأن (إن) لها تغير معنى الابتداء ، فقد قال الله ـ عزوجل ـ : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ)(٢) فأدخل الفاء مع دخول (إن) ومثله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ)(٣) ومما يدل على صحة ما قلناه أن الحروف لا تكون شروطا مع حروف المجازاة ، لا تقول : إن في الدار زيد أكرمه ، ولا متى يوم الجمعة القتال أحضره ، وقد قال الله ـ عزوجل ـ : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ)(٤) فدخلت (الفاء) لمعنى المجازاة و (ما) بمعنى الذي ، ومثل ذلك قولهم : كل رجل يأتينا فله درهم ، ولو قال : كل رجل فله درهمان كان محالا ، والفرق بينهما أن كل رجل مبهم ، ويأتينا مشبه بالشرط لأن الفعل يكون شرطا ، ويستوجب بيأتينا الدرهمين ، وإن لم يكن بعده شيء فلم يأت سبب يستوجب به شيئا.
قال أبو سعيد : لو قال كل رجل فيه شهامة أو فيه نفاذ ، أو فيه محبة لنا جاز على
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية : ٩١.
(٢) سورة الجمعة ، الآية : ٨.
(٣) سورة آل عمران ، الآية : ٩١.
(٤) سورة النحل ، الآية : ٥٣.