رومانية وما رائده في ذلك إلا مجرد التشابه في بعض أحوال القصص ، وذلك التشابه لا تخلو عنه الأساطير والقصص فلا ينبغي إطلاق الأوهام وراء أمثالها.
والمحقق أنّ قصة الخضر وموسى يهودية الأصل ولكنّها غير مسطورة في كتب اليهود المعبر عنها بالتوراة أو العهد القديم. ولعل عدم ذكرها في تلك الكتب هو الذي أقدم نوفا البكالي على أن قال : إن موسى المذكور في هذه الآيات هو غير موسى بني إسرائيل كما ذكر ذلك في «صحيح البخاري» وأن ابن عباس كذب نوفا ، وساق الحديث المتقدم.
وقد كان سبب ذكرها في القرآن سؤال نفر من اليهود أو من لقنهم اليهود إلقاء السؤال فيها على الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم. وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٨٥].
واختلف اليهود في أن صاحب الخضر هو موسى بن عمران الرسول وأن فتاه هو يوشع بن نون ، فقيل : نعم ، وقد تأيد ذلك بما رواه أبي بن كعب عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقيل : هو رجل آخر اسمه موسى بن ميشا (أو منسه) ابن يوسف بن يعقوب. وقد زعم بعض علماء الإسلام أن الخضر لقي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعدّ من صحابته. وذلك توهم وتتبع لخيال القصاصين. وسمي الخضر بليا بن ملكان ـ أو إيليا ـ أو إلياس ، فقيل : إن الخضر هو إلياس المذكور في سورة يس.
ولا يصح أن يكون الخضر من بني إسرائيل إذ لا يجوز أن يكون مكلفا بشريعة موسى ويقره موسى على أفعال لا تبيحها شريعته. بل يتعين أن يكون نبيئا موحى إليه بوحي خاص ، وعلم موسى أنه من أمة غير مبعوث موسى إليها. ولما علم موسى ذلك مما أوحى الله إليه من قوله : بلى عبدنا خضر هو أعلم منك. كما في حديث أبي بن كعب ، لم يصرفه عنه ما رأى من أعماله التي تخالف شريعة التوراة لأنه كان على شريعة أخرى أمة وحده. وأما وجوده في أرض بني إسرائيل فهو من السياحة في العبادة ، أو أمره الله بأن يحضر في المكان الذي قدره للقاء موسى رفقا بموسى ـ عليهالسلام ـ.
ومعنى (أَوْ أَمْضِيَ) أو أسير. والمضي : الذهاب والسير.
والحقب ـ بضمتين ـ اسم للزمان الطويل غير منحصر المقدار ، وجمعه أحقاب.
وعطف (أَمْضِيَ) على (أَبْلُغَ) ب (أو) فصار المعطوف إحدى غايتين للإقلاع عن السير ، أي إما أن أبلغ المكان أو أمضي زمنا طويلا. ولما كان موسى لا يخامره الشك