والإحاطة : مجاز في التمكن ، تشبيها لقوة تمكن الاتصاف بتمكن الجسم المحيط بما أحاط به.
وقوله : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً) أبلغ في ثبوت الصبر من نحو : سأصبر ، لأنه يدل على حصول صبر ظاهر لرفيقه ومتبوعه. وظاهر أن متعلق الصبر هنا هو الصبر على ما من شأنه أن يثير الجزع أو الضجر من تعب في المتابعة ، ومن مشاهدة ما لا يتحمله إدراكه ، ومن ترقب بيان الأسباب والعلل والمقاصد.
ولما كان هذا الصبر الكامل يقتضي طاعة الآمر فيما يأمره به عطف عليه ما يفيد الطاعة إبلاغا في الاتسام بأكمل أحوال طالب العلم.
فجملة (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) معطوفة على جملة (سَتَجِدُنِي) ، أو هو من عطف الفعل على الاسم المشتق عطفا على (صابِراً) فيؤوّل بمصدر ، أي وغير عاص. وفي هذا دليل على أن أهم ما يتسم به طالب العلم هو الصبر والطاعة للمعلم.
وفي تأكيده ذلك بالتعليق على مشيئة الله ـ استعانة به وحرصا على تقدم التيسير تأدبا مع الله ـ إيذان بأن الصبر والطاعة من المتعلم الذي له شيء من العلم أعسر من صبر وطاعة المتعلم الساذج ، لأن خلو ذهنه من العلم لا يحرجه من مشاهدة الغرائب ، إذ ليس في ذهنه من المعارف ما يعارض قبولها ، فالمتعلم الذي له نصيب من العلم وجاء طالبا الكمال في علومه إذا بدا له من علوم أستاذه ما يخالف ما تقرر في علمه يبادر إلى الاعتراض والمنازعة. وذلك قد يثير النفرة بينه وبين أستاذ ، فلتجنب ذلك خشي الخضر أن يلقى من موسى هذه المعاملة فقال له : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً* وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) ، فأكد له موسى أنه يصبر ويطيع أمره إذا أمره. والتزام موسى ذلك مبني على ثقته بعصمة متبوعة لأن الله أخبره بأنه آتاه علما.
والتاء في قوله : (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي) تفريع على وعد موسى إياه بأنه يجده صابرا ، ففرع على ذلك نهيه عن السؤال عن شيء مما يشاهده من تصرفاته حتى يبينه له من تلقاء نفسه.
وأكد النهي بحرف التوكيد تحقيقا لحصول أكمل أحوال المتعلم مع المعلم ، لأن السؤال قد يصادف وقت اشتغال المسئول بإكمال عمله فتضيق له نفسه ، فربما كان الجواب عنه بدون شره نفس ، وربما خالطه بعض القلق فيكون الجواب غير شاف ، فأراد الخضر أن يتولى هو بيان أعماله في الإبان الذي يراه مناسبا ليكون البيان أبسط والإقبال