لمضمونها من توقع ضيق ذرع موسى عن قبول ما يبديه إليه ، لأنه علم أنه تصدر منه أفعال ظاهرها المنكر وباطنها المعروف. ولما كان موسى ـ عليهالسلام ـ من الأنبياء الذين أقامهم الله لإجراء الأحكام على الظاهر علم أنه سينكر ما يشاهده من تصرفاته لاختلاف المشربين لأن الأنبياء لا يقرون المنكر.
وهذا تحذير منه لموسى وتنبيه على ما يستقبله منه حتى يقدم على متابعته إن شاء على بصيرة وعلى غير اغترار ، وليس المقصود منه الإخبار. فمناط التأكيدات في جملة (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) إنما هو تحقيق خطورة أعماله وغرابتها في المتعارف بحيث لا تتحمل ، ولو كان خبرا على أصله لم يقبل فيه المراجعة ولم يجبه موسى بقوله : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً).
وفي هذا أصل من أصول التعليم أن ينبه المعلم المتعلم بعوارض موضوعات العلوم الملقنة لا سيما إذا كانت في معالجتها مشقة.
وزادها تأكيدا عموم الصبر المنفي لوقوعه نكرة في سياق النفي ، وأن المنفي استطاعته الصبر المفيد أنه لو تجشم أن يصبر لم يستطع ذلك ، فأفاد هذا التركيب نفي حصول الصبر منه في المستقبل على آكد وجه.
وزيادة (مَعِيَ) إيماء إلى أنه يجد من أعماله ما لا يجد مثله مع غيره فانتفاء الصبر على أعماله أجدر.
وجملة (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً) في موضع الحال من اسم (إن) أو من ضمير (تَسْتَطِيعَ) ، فالواو واو الحال وليست واو العطف لأن شأن هذه الجملة أن لا تعطف على التي قبلها لأن بينهما كمال الاتصال إذ الثانية كالعلة للأولى. وإنما أوثر مجيئها في صورة الجملة الحالية ، دون أن تفصل عن الجملة الأولى فتقع علة مع أن التعليل هو المراد ، للتنبيه على أن مضمونها علة ملازمة لمضمون التي قبلها إذ هي حال من المسند إليه في الجملة قبلها.
و (كيف) للاستفهام الإنكاري في معنى النفي ، أي وأنت لا تصبر على ما لم تحط به خبرا.
والخبر ـ بضم الخاء وسكون الباء ـ : العلم. وهو منصوب على أنه تمييز لنسبة الإحاطة في قوله : (ما لَمْ تُحِطْ بِهِ) ، أي إحاطة من حيث العلم.