وذكر عياض في باب صفة مجلس مالك للعلم من كتاب المدارك : أن رجلا خراسانيا جاء من خراسان إلى المدينة للسماع من مالك فوجد الناس يعرضون عليه وهو يسمع ولا يسمعون قراءة منه عليهم ، فسأله أن يقرأ عليهم فأبى مالك ، فاستعدى الخراساني قاضي المدينة. وقال : جئت من خراسان ونحن لا نرى العرض وأبى مالك أن يقرأ علينا. فحكم القاضي على مالك : أن يقرأ له ، فقيل لمالك : أأصاب القاضي الحق؟ قال : نعم.
وفيه أيضا إشارة إلى أن حق المعلم على المتعلم اتباعه والاقتداء به.
وانتصب (رُشْداً) على المفعولية ل (تُعَلِّمَنِ) أي ما به الرشد ، أي الخير.
وهذا العلم الذي سأل موسى تعلمه هو من العلم النافع الذي لا يتعلق بالتشريع للأمة الإسرائيلية ، فإن موسى مستغن في علم التشريع عن الازدياد إلا من وحي الله إليه مباشرة ، لأنه لذلك أرسله وما عدا ذلك لا تقتضي الرسالة علمه. وقد قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في قصة الذين وجدهم يؤبّرون النخل «أنتم أعلم بأمور دنياكم». ورجع يوم بدر إلى قول المنذر بن الحارث في أن المنزل الذي نزله جيش المسلمين ببدر أول مرة ليس الأليق بالحرب.
وإنما رام موسى أن يعلم شيئا من العلم الذي خص الله به الخضر لأن الازدياد من العلوم النافعة هو من الخير. وقد قال الله تعالى تعليما لنبيه (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) [طه : ١١٤]. وهذا العلم الذي أوتيه الخضر هو علم سياسة خاصة غير عامة تتعلق بمعينين لجلب مصلحة أو دفع مفسدة بحسب ما تهيئه الحوادث والأكوان لا بحسب ما يناسب المصلحة العامة. فلعل الله يسره لنفع معينين من عنده كما جعل محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم رحمة عامة لكافة الناس ، ومن هنا فارق سياسة التشريع العامة. ونظيره معرفة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أحوال بعض المشركين والمنافقين ، وتحققه أن أولئك المشركين لا يؤمنون وهو مع ذلك يدعوهم دوما إلى الإيمان ، وتحققه أن أولئك المنافقين غير مؤمنين وهو يعاملهم معاملة المؤمنين ، وكان حذيفة بن اليمان يعرفهم بأعيانهم بإخبار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إياه بهم.
وقرأ الجمهور (رُشْداً) ـ بضم الراء وسكون الشين ـ. وقرأه أبو عمرو ، ويعقوب ـ بفتح الراء وفتح الشين ـ مثل اللفظين السابقين ، وهما لغتان كما تقدم.
وأكد جملة (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) بحرف (إن) وبحرف (لن) تحقيقا