ومعنى (كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) أي صالحة ، بقرينة قوله (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) ، وقد ذكروا في تعيين هذا الملك وسبب أخذه للسفن قصصا وأقوالا لم يثبت شيء منها بعينه ، ولا يتعلّق به غرض في مقام العبرة.
وجملة (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) متفرعة على كل من جملتي (فَكانَتْ لِمَساكِينَ) ، و (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ) ، فكان حقها التأخير عن كلتا الجملتين بحسب الظاهر ، ولكنها قدمت خلافا لمقتضى الظاهر لقصد الاهتمام والعناية بإرادة إعابة السفينة حيث كان عملا ظاهره الإنكار وحقيقته الصلاح زيادة في تشويق موسى إلى علم تأويله ، لأن كون السفينة لمساكين مما يزيد السامع تعجبا في الإقدام على خرقها. والمعنى : فأردت أن أعيبها وقد فعلت. وإنما لم يقل : فعبتها ، ليدل على أن فعله وقع عن قصد وتأمل.
وقد تطلق الإرادة على القصد أيضا. وفي «اللسان» عزو ذلك إلى سيبويه.
وتصرف الخضر في أمر السفينة تصرف برعي المصلحة الخاصة عن إذن من الله بالتصرف في مصالح الضعفاء إذ كان الخضر عالما بحال الملك ، أو كان الله أعلمه بوجوده حينئذ ، فتصرف الخضر قائم مقام تصرف المرء في ماله بإتلاف بعضه لسلامة الباقي ، فتصرفه الظاهر إفساد وفي الواقع إصلاح لأنه من ارتكاب أخف الضررين. وهذا أمر خفي لم يطلع عليه إلّا الخضر ، فلذلك أنكره موسى.
وأما تصرفه في قتل الغلام فتصرف بوحي من الله جار على قطع فساد خاص علمه الله وأعلم به الخضر بالوحي ، فليس من مقام التشريع ، وذلك أنّ الله علم من تركيب عقل الغلام وتفكيره أنه عقل شاذ وفكر منحرف طبع عليه بأسباب معتادة من انحراف طبع وقصور إدراك ، وذلك من آثار مفضية إلى تلك النفسية وصاحبها في أنه ينشأ طاغيا كافرا. وأراد الله اللّطف بأبويه بحفظ إيمانهما وسلامة العالم من هذا الطاغي لطفا أراده الله خارقا للعادة جاريا على مقتضى سبق علمه ، ففي هذا مصلحة للدّين بحفظ أتباعه من الكفر ، وهو مصلحة خاصة فيها حفظ الدين ، ومصلحة عامة لأنه حقّ لله تعالى فهو كحكم قتل المرتد.
والزّكاة : الطهارة ، مراعاة لقول موسى (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً).
والرحم : ـ بضم الراء وسكون الحاء ـ : نظير الكثر للكثرة.
والخشية : توقع ذلك لو لم يتدارك بقتله.
وضميرا الجماعة في قوله (فَخَشِينا) وقوله (فَأَرَدْنا) عائدان إلى المتكلم الواحد