بإظهار أنه مشارك لغيره في الفعل. وهذا الاستعمال يكون من التواضع لا من التعاظم لأن المقام مقام الإعلام بأنّ الله أطلعه على ذلك وأمره فناسبه التواضع فقال : (فَخَشِينا فَأَرَدْنا) ، ولم يقل مثله عند ما قال (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) لأنّ سبب الإعابة إدراكه لمن له علم بحال تلك الأصقاع. وقد تقدم عند قوله تعالى : (قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) في سورة يوسف [٧٩].
وقرأ الجمهور (أَنْ يُبْدِلَهُما) ـ بفتح الموحدة وتشديد الدال ـ من التبديل. وقرأه ابن كثير ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف ـ بسكون الموحدة وتخفيف الدال ـ من الإبدال.
وأما قضية الجدار فالخضر تصرف في شأنها عن إرادة الله اللطف باليتيمين جزاء لأبيهما على صلاحه ، إذ علم الله أن أباهما كان يهمّه أمر عيشهما بعده ، وكان قد أودع تحت الجدار مالا ، ولعله سأل الله أن يلهم ولديه عند بلوغ أشدهما أن يبحثا عن مدفن الكنز تحت الجدار بقصد أو بمصادفة ، فلو سقط الجدار قبل بلوغهما لتناولت الأيدي مكانه بالحفر ونحوه فعثر عليه عاثر ، فذلك أيضا لطف خارق للعادة. وقد أسند الإرادة في قصة الجدار إلى الله تعالى دون القصتين السابقتين لأن العمل فيهما كان من شأنه أن يسعى إليه كل من يقف على سرّه لأن فيهما دفع فساد عن الناس بخلاف قصة الجدار فتلك كرامة من الله لأبي الغلامين.
وقوله : (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) تصريح بما يزيل إنكار موسى عليه تصرفاته هذه بأنها رحمة ومصلحة فلا إنكار فيها بعد معرفة تأويلها.
ثم زاد بأنه فعلها عن وحي من الله لأنه لما قال (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) علم موسى أنّ ذلك بأمر من الله تعالى لأنّ النبي إنما يتصرف عن اجتهاد أو عن وحي ، فلما نفى أن يكون فعله ذلك عن أمر نفسه تعيّن أنه عن أمر الله تعالى. وإنما أوثر نفي كون فعله عن أمر نفسه على أن يقول : وفعلته عن أمر ربّي ، تكملة لكشف حيرة موسى وإنكاره ، لأنه لما أنكر عليه فعلاته الثلاث كان يؤيد إنكاره بما يقتضي أنه تصرف عن خطأ.
وانتصب (رَحْمَةً) على المفعول لأجله فينازعه كل من (أردت) ، و (أردنا) ، و (أراد ربّك).
وجملة (ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) فذلكة للجمل التي قبلها ابتداء من