يلبس خوذة في الحرب بها قرنان ، وقيل : رسم ذاته على بعض نقوده بقرنين في رأسه تمثيلا لنفسه بالمعبود (آمون) معبود المصريين وذلك حين ملك مصر.
والقول الثاني : إنه ملك من ملوك حمير هو تبّع أبو كرب.
والقول الثالث : أنه ملك من ملوك الفرس وأنه (أفريدون بن أثفيان بن جمشيد). هذه أوضح الأقوال ، وما دونها لا ينبغي التعويل عليه ولا تصحيح روايته.
ونحن تجاه هذا الاختلاف يحق علينا أن نستخلص من قصته في هذه الآية أحوالا تقرّب تعيينه وتزييف ما عداه من الأقوال ، وليس يجب الاقتصار على تعيينه من بين أصحاب هذه الأقوال بل الأمر في ذلك أوسع.
وهذه القصة القرآنية تعطي صفات لا محيد عنها :
إحداها : أنه كان ملكا صالحا عادلا.
الثانية : أنه كان ملهما من الله.
الثالثة : أن ملكه شمل أقطارا شاسعة.
الرابعة : أنه بلغ في فتوحه من جهة المغرب مكانا كان مجهولا وهو عين حمئة.
الخامسة : أنه بلغ بلاد يأجوج ومأجوج ، وأنها كانت في جهة مما شمله ملكه غير الجهتين الشرقية والغربية فكانت وسطا بينهما كما يقتضيه استقراء مبلغ أسبابه.
السادسة : أنه أقام سدّا يحول بين يأجوج وماجوج وبين قوم آخرين.
السابعة : أن يأجوج وماجوج هؤلاء كانوا عائثين في الأرض فسادا وأنهم كانوا يفسدون بلاد قوم موالين لهذا الملك.
الثامنة : أنه كان معه قوم أهل صناعة متقنة في الحديد والبناء.
التاسعة : أن خبره خفيّ دقيق لا يعلمه إلّا الأحبار علما إجماليا كما دل عليه سبب النزول.
وأنت إذا تدبرت جميع هذه الأحوال نفيت أن يكون ذو القرنين إسكندر المقدوني لأنه لم يكن ملكا صالحا بل كان وثنيا فلم يكن أهلا لتلقي الوحي من الله وإن كانت له كمالات على الجملة ، وأيضا فلا يعرف في تاريخه أنه أقام سدّا بين بلدين.