جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (٣٥) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (٣٦))
عطف على جملة (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) الآيات ؛ فإنه بعد أن بين لهم ما أعد لأهل الشرك وذكر ما يقابله مما أعده للذين آمنوا ضرب مثلا لحال الفريقين بمثل قصة أظهر الله فيها تأييده للمؤمن وإهانته للكافر ، فكان لذلك المثل شبه بمثل قصة أصحاب الكهف من عصر أقرب لعلم المخاطبين من عصر أهل الكهف ، فضرب مثلا للفريقين للمشركين وللمؤمنين بمثل رجلين كان حال أحدهما معجبا مؤنقا وحال الآخر بخلاف ذلك ؛ فكانت عاقبة صاحب الحال المونقة تبابا وخسارة ، وكانت عاقبة الآخر نجاحا ، ليظهر للفريقين ما يجره الغرور والإعجاب والجبروت إلى صاحبه من الأرزاء ، وما يلقاه المؤمن المتواضع العارف بسنن الله في العالم من التذكير والتدبر في العواقب فيكون معرضا للصلاح والنجاح.
واللام في قوله : (لَهُمْ) يجوز أن يتعلق بفعل (وَاضْرِبْ) كقوله تعالى : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [الروم : ٢٨]. ويجوز أن يتعلق بقوله : (مَثَلاً) تعلق الحال بصاحبها ، أي شبها لهم ، أي للفريقين كما في قوله تعالى : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) [النحل : ٧٤] ، والوجه أن يكون متنازعا فيه بين «ضرب ، ومثلا».
والضمير في قوله : (لَهُمْ) يعود إلى المشركين من أهل مكة على الوجه الأول ولم يتقدم لهم ذكر ، ويعود إلى جماعة الكافرين والمؤمنين على الوجه الثاني.
ثم إن كان حال هذين الرجلين الممثل به حالا معروفا فالكلام تمثيل حال محسوس بحال محسوس. فقال الكلبي : المعنيّ بالرجلين رجلان من بني مخزوم من أهل مكة أخوان أحدهما كافر وهو الأسود بن عبد الأشد ـ بشين معجمة ـ وقيل ـ بسين مهملة ـ بن عبد ياليل ، والآخر مسلم وهو أخوه : أبو سلمة عبد الله بن عبد الأشد بن عبد ياليل. ووقع في «الإصابة» : بن هلال ، وكان زوج أم سلمة قبل أن يتزوجها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ولم يذكر المفسرون أين كانت الجنتان ، ولعلهما كانتا بالطائف فإن فيه جنات أهل مكة.
وعن ابن عباس : هما أخوان من بني إسرائيل مات أبوهما وترك لهما مالا فاشترى أحدهما أرضا وجعل فيها جنتين ، وتصدق الآخر بماله فكان من أمرهما في الدنيا ما قصه