الله تعالى في هذه السورة ، وحكى مصيرهما في الآخرة بما حكاه الله في سورة الصافات [٥٠ ـ ٥٢] في قوله : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) الآيات .. فتكون قصتهما معلومة بما نزل فيها من القرآن في سورة الصافات قبل سورة الكهف.
وإن كان حال الرجلين حالا مفروضا كما جوّزه بعض المفسرين فيما نقله عنه ابن عطية فالكلام على كل حال تمثيل محسوس بمحسوس لأن تلك الحالة متصورة متخيلة. قال ابن عطية : فهذه الهيئة التي ذكرها الله تعالى لا يكاد المرء يتخيل أجمل منها في مكاسب الناس ، وعلى هذا الوجه يكون هذا التمثيل كالذي في قوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ) [البقرة : ٢٦٥] الآيات.
والأظهر ـ من سياق الكلام وصنع التراكيب مثل قوله : (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ) [الكهف : ٣٧] إلخ فقد جاء (قال) غير مقترن بفاء وذلك من شأن حكاية المحاورات الواقعة ، ومثل قوله : (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً) [الكهف : ٤٣] ـ أن يكون هذا المثل قصة معلومة ولأن ذلك أوقع في العبرة والموعظة مثل المواعظ بمصير الأمم الخالية.
ومعنى (جَعَلْنا لِأَحَدِهِما) قدرنا له أسباب ذلك.
وذكر الجنة والأعناب والنخل تقدم في قوله تعالى : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) في سورة البقرة [٢٦٦].
ومعنى (حَفَفْناهُما) أحطناهما ، يقال : حفّه بكذا ، إذا جعله حافا به ، أي محيطا ، قال تعالى : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) [الزمر : ٧٥] ، لأن (حف) يتعدى إلى مفعول واحد فإذا أريد تعديته إلى ثان عدي إليه بالباء ، مثل : غشيه وغشاه بكذا. ومن محاسن الجنات أن تكون محاطة بالأشجار المثمرة.
ومعنى (وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً) ألهمناه أن يجعل بينهما. وظاهر الكلام أن هذا الزرع كان فاصلا بين الجنتين : كانت الجنتان تكتنفان حقل الزرع فكان المجموع ضيعة واحدة. وتقدم ذكر الزرع في سورة الرعد.
و (كِلْتَا) اسم دال على الإحاطة بالمثنى يفسره المضاف هو إليه ، فهو اسم مفرد دال