ويوشع أحد الرجال الاثني عشر الذين بعثهم موسى ـ عليهالسلام ـ ليتجسسوا في أرض كنعان في جهات حلب وحبرون ويختبروا بأس أهلها وخيرات أرضها ومكثوا أربعين يوما في التجسس. وهو أحد الرجلين اللذين شجعا بني إسرائيل على دخول أرض كنعان اللذين ذكرهما القرآن في آية (قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) [المائدة : ٢٣].
كان ميلاد يوشع في حدود سنة ١٤٦٣ قبل المسيح ووفاته في حدود سنة ١٣٥٣ وعمّر مائة وعشر سنين ، وكان موسى ـ عليهالسلام ـ قد قربه إلى نفسه واتخذه تلميذا وخادما ، ومثل ذلك الاتخاذ يوصف صاحبه بمثل فتى أو غلام. ومنه وصفهم الإمام محمد بن عبد الواحد المطرز النحوي اللغوي غلام ثعلب ، لشدة اتصاله بالإمام أحمد بن يحيى الشيباني المقلب بثعلب.
وكان يوشع أحد الرجلين اللذين عهد إليهما موسى ـ عليهالسلام ـ بأن يقسما الأرض بين أسباط بني إسرائيل بعد موسى ـ عليهالسلام ـ. وأمر الله موسى بأن يعهد إلى يوشع بتدبير أمر الأمة الإسرائيلية بعد وفاة موسى ـ عليهالسلام ـ فعهد إليه موسى بذلك فصار نبيئا من يومئذ. ودبر أمر الأمة بعد موسى سبعا وعشرين سنة. وكتاب يوشع هو أول كتب الأنبياء بعد موسى ـ عليهالسلام ـ.
وابتدئت القصة بحكاية كلام موسى ـ عليهالسلام ـ المقتضي تصميما على أن لا يزول عما هو فيه ، أي لا يشتغل بشيء آخر حتى يبلغ مجمع البحرين ، ابتداء عجيبا في باب الإيجاز ، فإن قوله ذلك يدل على أنه كان في عمل نهايته البلوغ إلى مكان ، فعلم أن ذلك العلم هو سير سفر.
ويدل على أن فتاه استعظم هذه الرحلة وخشي أن تنالهما فيها مشقة تعوقهما عن إتمامها ، أو هو بحيث يستعظمها للعلم بأنها رحلة بعيدة ، وذلك شأن أسباب الأمور المهمة ، ويدل على أن المكان الذي يسير إليه مكان يجد عنده مطلبه.
و (أَبْرَحَ) مضارع برح بكسر الراء ، بمعنى زال يزول. وتقدم في سورة يوسف ـ عليهالسلام ـ. واستعير (لا أَبْرَحُ) لمعنى : لا أترك ، أو لا أكف عن السير حتى أبلغ مجمع البحرين. ويجوز أن يكون مضارع برح الذي هو فعل ناقص لا يستعمل ناقصا إلا مع النفي ويكون الخبر محذوفا بقرينة الكلام ، أي لا أبرح سائرا. وعن الرضيّ أن حذف خبرها قليل.