وحذف ذكر الغرض الذي سار لأجله موسى ـ عليهالسلام ـ لأنه سيذكر بعد ، وهو حذف إيجاز وتشويق ، له موقع عظيم في حكاية القصة ، لإخراجها عن مطروق القصص إلى أسلوب بديع الحكم والأمثال قضاء لحق بلاغة الإعجاز.
وتفصيل هذه القصة وارد في «صحيح البخاري» من حديث : «عمرو بن دينار ويعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أن موسى ـ عليهالسلام ـ قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل : أي الناس أعلم؟ فقال : أنا. فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه. فأوحى الله إليه : بلى عبدنا خضر هو أعلم منك. قال : فأين هو؟ قال : بمجمع البحرين. قال موسى ـ عليهالسلام ـ : يا رب اجعل لي علما أعلم ذلك به. قال : تأخذ معك حوتا في مكتل فحيث ما فقدت الحوت فهو ثمّ ، فأخذ حوتا فجعله في مكتل وقال لفتاه يوشع بن نون : لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت ، قال (أي فتاه) : ما كلّفت كثيرا. ثم انطلق وانطلق بفتاه حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رءوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا وموسى نائم ، فقال فتاه (وكان لم ينم) : لا أوقظه وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار الماء عليه مثل الطاق ، فلما استيقظ (موسى) نسي صاحبه أن يخبره بالحوت ، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى ـ عليهالسلام ـ لفتاه : آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. قال : ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به (أي لأن الله ميسر أسباب الامتثال لأوليائه : فقال له فتاه : أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره وأتخذ سبيله في البحر عجبا. قال : فكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا. فقال موسى : ذلك ما كنا نبغي ، فارتدا على آثارهما قصصا ، قال : رجعا يقصّان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة ، فإذا رجل مسجى ثوبا فسلّم عليه موسى. فقال الخضر : وأنى بأرضك السلام ... الحديث.
قوله : «وأنى بأرضك السلام» استفهام تعجب ، والكاف خطاب للذي سلم عليه فكان الخضر يظن ذلك المكان لا يوجد به قوم تحيتهم السلام ، إما لكون ذلك المكان كان خلاء وإما لكونه مأهولا بأمة ليست تحيتهم السلام.
وإنما أمسك الله عن الحوت جرية الماء ليكون آية مشهودة لموسى ـ عليهالسلام ـ وفتاه زيادة في أسباب قوة يقينهما ، ولأن المكان لما كان ظرفا لظهور معجزات علم