أو أمسك رجلا ، فهربت دابته وضلت ، أو نحو ذلك ، فإنه حينئذ لا يصح التمسك ببراءة الذمة ، بل ينبغي للمفتي التوقف عن الافتاء حينئذ ، ولصاحب الواقعة الصلح ، إذا لم يكن منصوصا بنص خاص أو عام ، لاحتمال اندراج مثل هذه الصور في قوله عليهالسلام : « لا ضرر ولا إضرار في الاسلام » (١) ، وفيما يدل على حكم من أتلف مالا لغيره (٢) ، إذ نفي الضرر غير محمول على نفي حقيقته ، لانه غير منفي ، بل الظاهر أن المراد به : نفي الضرر من غير جبران بحسب الشرع.
والحاصل : أن في مثل هذه الصور لا يحصل العلم ، بل ولا الظن ، بأن الواقعة غير منصوصة ، وقد عرفت أن شرط التمسك بالاصل فقدان النص ، بل يحصل القطع حينئذ بتعلق حكم شرعي بالضار ، ولكن لا يعلم أنه مجرد التعزير ، أو الضمان ، أو هما معا ، فينبغي للضار أن يحصل العلم ببراءة ذمته بالصلح ، وللمفتي الكف عن تعيين حكم ، لان جواز التمسك بأصالة براءة الذمة ، والحال هذه ، غير معلوم.
وقد روى البرقي ، في كتاب المحاسن : « عن أبيه ، [ عن النضر بن سويد ] ، عن درست ابن أبي منصور ، عن محمد بن حكيم ، قال : قال : أبو الحسن عليهالسلام : إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا ، وإذا جاءكم ما لا تعلمون ، فها ـ ووضع يده على فيه ـ فقلت : ولم ذاك؟ فقال : لان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أتى الناس بما اكتفوا به على عهده ، وما يحتاجون إليه من بعده ، إلى يوم القيامة » (٣).
__________________
١ ـ الفقيه : ٤ / ٣٣٤ ـ باب ميراث أهل الملل ح ٥٧١٨. ولهذا الحديث مصادر كثيرة ولكنها بلفظ آخر. في ط : ضرار. بدل : اضرار.
٢ ـ التهذيب : ٧ / ٢١٥ ح ٩٤٣ ( صحيحة أبي ولاد ) ، دعائم الاسلام : ٢ / ٤٢٤ ح ١٤٧٦.
٣ ـ المحاسن للبرقي : ٢١٣ ، وما بين المعقوفين زيادة من المصدر ، مع استبدال كلمة ( فيه ) ب :