أمير المؤمنين.
فقلت له : إنّ هذا قد كفر (١).
فلمّا كان في اللّيلة الرابعة وجّه ، يعني المعتصم ، ببغا الّذي كان يقال له الكبير ، إلى إسحاق ، فأمره بحملي إليه. فأدخلت على إسحاق فقال : يا أحمد ، إنّها والله نفسك ، إنّه لا يقتلك بالسّيف. إنّه قد آلى بان لم تجبه أن يضربك ضربا بعد ضرب ، وأن يقتلك (٢) في موضع لا يرى فيه شمس ولا قمر. أليس قد قال الله عزوجل : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (٣) ، أفيكون مجعولا إلّا مخلوقا؟
فقلت : قد قال الله تعالى : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (٤) أفخلقهم؟
قال : فسكت. فلمّا صرنا إلى الموضع المعروف بباب البستان أخرجت وجيء بدابّة ، فحملت عليها وعليّ الأقياد ، ما معي أحد يمسكني. فكدت غير مرّة أن أخرّ على وجهي لثقل القيود. فجيء بي إلى دار المعتصم ، فأدخلت حجرة ، وأدخلت إلى البيت ، وأقفل الباب عليّ ، وذلك في جوف اللّيل ، وليس في البيت سراج. فأردت أن أتمسّح للصّلاة ، فمددت يدي ، فإذا أنا بإناء فيه ماء وطست موضوع ، فتوضّأت وصلّيت. فلمّا كان من الغد أخرجت تكنّى من سراويلي ، وشددت بها الأقياد أحملها ، وعطفت سراويلي. فجاء رسول المعتصم فقال : أجب.
فأخذ بيدي وأدخلني عليه ، والتّكّة في يدي أحمل بها الأقياد. وإذا هو جالس ، وابن أبي دؤاد حاضر ، وقد جمع خلقا كثيرا من أصحابه ، فقال لي ، يعني المعتصم : أدنه ، أدنه. فلم يزل يدنيني حتّى قربت منه ، ثمّ قال لي : اجلس. فجلست وقد أثقلتني الأقياد ، فمكثت قليلا ثمّ قلت : أتأذن لي في الكلام؟ فقال : تكلّم.
__________________
(١) في هامش الأصل : إنّما كفّره لأنّه إذا كان علمه مخلوقا لزم أن يكون في الأزل بغير علم حتّى خلقه. تعالى الله عمّا يقول الظّالمون ....
(٢) في حلية الأولياء ٩ / ١٩٧ «وأن يلقيك».
(٣) سورة الزخرف ، الآية ٣.
(٤) سورة الفيل ، الآية ٥.