ذات يوم : يا أبا عبد الله ، الله ، الله ، إنّك لست مثلي ، أنت رجل يقتدى بك ، قد مدّ الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك. فاتّق الله واثبت لأمر الله. أو نحو هذا. فمات وصلّيت عليه ودفنته. أظنّه قال : بعانة.
قال صالح : وصار أبي إلى بغداد مقيّدا ، فمكث بالياسريّة أيّاما ، ثمّ حبس في دار اكتريت عند دار عمارة. ثمّ نقل بعد ذلك إلى حبس العامّة في درب الموصليّة (١) ، فقال أبي : كنت أصلّي بأهل السّجن وأنا مقيّد. فلمّا كان في رمضان سنة تسع عشرة حوّلت إلى دار إسحاق بن إبراهيم.
وأمّا حنبل بن إسحاق فقال : حبس أبو عبد الله في دار عمارة ببغداد في إسطبل لمحمد بن إبراهيم أخي إسحاق بن إبراهيم ، وكان في حبس ضيّق ، ومرض في رمضان ، فحبس في ذلك الحبس قليلا ، ثمّ حوّل إلى سجن العامّة ، فمكث في السّجن نحوا من ثلاثين شهرا ، فكنّا نأتيه. وقرأ عليّ كتاب الإرجاء وغيره في الحبس ، فرأيته يصلّي بأهل الحبس وعليه القيد ، فكان يخرج رجله من حلقة القيد وقت الصّلاة والنّوم.
* * *
رجعنا إلى ما حكاه صالح بن أحمد ، عن أبيه : لما حوّل إلى دار إسحاق بن إبراهيم فكان يوجّه إليّ كلّ يوم برجلين ، أحدهما يقال له أحمد بن رباح ، والآخر أبو شعيب الحجّام ، فلا يزالان يناظراني حتّى إذا أرادا الانصراف دعي بقيد ، فزيد في قيودي.
قال : فصار في رجله أربعة أقياد.
قال أبي : فلمّا كان اليوم الثّالث دخل عليّ أحد الرجلين فناظرني ، فقلت له : ما تقول في علم الله؟
قال : إنّه مخلوق.
فقلت له : كفرت.
فقال الرسول الّذي كان يحضر من قبل إسحاق بن إبراهيم : إنّ هذا رسول
__________________
(١) حلية الأولياء ٩ / ١٩٧.