فقال بعضهم : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) (١) أفيكون محدث إلّا مخلوقا؟
فقلت : قال الله : (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) (٢) فالذّكر هو القرآن. وتلك ليس فيها ألف ولام.
وذكر بعضهم حديث عمران بن حصين أنّ الله عزوجل خلق الذّكر.
فقلت : هذا خطأ ، حدّثنا غير واحد : «إنّ الله كتب الذّكر» (٣).
واحتجّوا
بحديث ابن مسعود : «ما خلق الله من جنّة ولا نار ولا سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسيّ» (٤).
فقلت : إنّما وقع الخلق على الجنّة والنّار والسّماء والأرض ، ولم يقع على القرآن.
فقال بعضهم : حديث خبّاب : يا هنتاه ، تقرّب إلى الله بما استطعت ، فإنّك لن تتقرّب إليه بشيء أحبّ إليه من كلامه.
قلت : هكذا هو.
قال صالح بن أحمد : فجعل أحمد بن أبي دؤاد ينظر إلى أبي كالمغضب ، قال أبي :
وكان يتكلّم هذا ، فأردّ عليه ، ويتكلّم هذا ، فأردّ عليه ، فإذا انقطع الرجل منهم اعترض ابن أبي دؤاد فيقول : يا أمير المؤمنين هو والله ضالّ مضلّ مبتدع.
فيقول : كلّموه ، ناظروه.
__________________
(١) سورة الأنبياء ، الآية ٢.
(٢) أول سورة ص.
(٣) هذا طرف من حديث أخرجه البخاري في أول بدء الخلق ٦ / ٢٠٥ ، ٢٠٧ ، والتوحيد ١٣ / ٣٤٥ ـ ٣٤٧ باب : وكان عرشه على الماء ، عن عمران بن حصين ، قال : دخلت على النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وعقلت ناقتي بالباب ، فإذا ناس من بني تميم ، فقال : أقبلوا البشرى يا بني تميم ، قالوا : قد بشّرتنا ، فأعطنا مرتين. ثم دخل عليه ناس من اليمن ، فقال : أقبلوا البشرى يا أهل اليمن ، إذ لم يقبلها بنو تميم. قالوا : قبلنا ، جئناك نتفقّه في الدّين ، ونسألك عن أول هذا الأمر ما كان؟ قال : كان الله ولم يكن شيء غيره ، وكان عرشه على الماء ، وكتب في الذكر كل شيء ، وخلق السموات والأرض.
(٤) أورده السيوطي في : الدرّ المنثور ١ / ٣٢٣.