فقال : يا عمّ ، ما أخذني النّوم هذه اللّيلة.
فقال له أبي : ولم؟
قال : لهذا المال.
وجعل يتوجّع لأخذه ، وجعل أبي يسكّنه ويسهّل عليه ، وقال : حتّى تصبح وترى فيه رأيك ، فإنّ هذا ليل والنّاس في منازلهم.
فأمسك ، وخرجنا. فلمّا كان في السّحر وجّه إلى عبدوس بن مالك ، والحسن بن البزّار ، فحضرا ، وحضر جماعة منهم : هارون الحمّال ، وأحمد بن منيع ، وابن الدّورقيّ ، وأنا ، وأبي ، وصالح ، وعبد الله فجعلنا نكتب من يذكرونه من أهل السّنّة والصّلاح ببغداد والكوفة ، فوجّه منها إلى أبي سعيد الأشجّ ، وإلى أبي كريب ، وإلى من ذكر أنّه من أهل العلم والسّنّة ممّن يعلمون أنّه محتاج.
ففرّقها كلّها ما بين الخمسين إلى المائة والمائتين ، فما بقي في الكيس درهم.
ثمّ تصدّق بالكيس على مسكين.
فلما كان بعد ذلك مات إسحاق بن إبراهيم وابنه محمد ، وولي بغداد عبد الله بن إسحاق ، فجاء رسوله إلى أبي عبد الله ، فذهب إليه ، فقرأ عليه كتاب المتوكّل فقال له : يأمرك بالخروج.
فقال : أنا شيخ ضعيف عليل.
فكتب عبد الله بما ردّ عليه ، فورد جواب الكتاب بأنّ أمير المؤمنين يأمره بالخروج. فوجّه عبد الله جنوده ، فباتوا على بابنا أيّاما حتّى تهيّأ أبو عبد الله للخروج ، فخرج وخرج صالح ، وعبد الله ، وأبو رميلة.
قال صالح : كان حمل أبي إلى المتوكّل سنة سبع وثلاثين ومائتين ، ثم عاش إلى سنة إحدى وأربعين ، فكان قلّ يوم يمضي إلّا ورسول المتوكّل يأتيه.
قال حنبل في حديثه : وقال أبي ارجع. فرجعت ، فأخبرني أبي قال : لما دخلنا إلى العساكر إذا نحن بموكب عظيم مقبل ، فلمّا حاذى بنا قالوا : هذا وصيف. وإذا فارس قد أقبل ، فقال لأحمد : الأمير وصيف يقرئك السّلام ، ويقول لك : إنّ الله قد أمكنك من عدوّك ، يعني ابن أبي دؤاد ، وأمير المؤمنين