فيغتمّ. ثمّ جاءه محمد بن معاوية فقال : إنّ أمير المؤمنين يكثر من ذكرك ويقول : يقيم هاهنا يحدّث.
فقال : أنا ضعيف (١).
ثمّ صار إليه يحيى بن خاقان فقال : يا أبا عبد الله قد أمر أمير المؤمنين أن أصير إليك لتركب إلى ابنه أبي عبد الله ، يعني المعتزّ.
ثم قال لي : قد أمرني أمير المؤمنين [أن] يجرى عليك وعلى قراباتك أربعة آلاف درهم ، ففرّقها عليهم (٢).
ثم عاد يحيى من الغد فقال : يا أبا عبد الله تركب؟
فقال : ذاك إليكم.
ولبس إزاره وخفّه. وكان خفّه له عنده نحو من خمسة عشر عاما ، قد رقّع برقاع عدّة. فأشار يحيى أن يلبس قلنسوة.
قلت : ما له قلنسوة.
إلى أن قال : فدخل دار المعتزّ ، وكان قاعدا على دكّان في الدّار ، فلمّا صعد الدّكّان قعد فقال له يحيى : يا أبا عبد الله إنّ أمير المؤمنين جاء بك ليسرّ بقربك ، ويصيّر أبا عبد الله ابنه في حجرك. فأخبرني بعض الخدم أنّ المتوكّل كان قاعدا وراء ستر. فلمّا دخل أبي الدّار قال لأمّه : يا أمه قد نارت الدّار.
ثم جاء خادم بمنديل ، فأخذ يحيى المنديل ، وذكر قصّة في إلباسه القميص والطّيلسان والقلنسوة وهو لا يحرّك يده. ثمّ انصرف. وكانوا قد تحدّثوا أنّه يخلع عليه سوادا. فلمّا صار إلى الدّار نزع الثّياب ، ثم جعل يبكي وقال : سلمت من هؤلاء منذ ستّين سنة ، حتّى إذا كان في آخر عمري بليت بهم. ما أحسبني سلمت من دخولي على هذا الغلام ، فكيف بمن يجب عليّ نصحه من وقت تقع عيني عليه ، إلى أن أخرج من عنده. يا صالح وجّه بهذه الثّياب إلى بغداد تباع ويتصدّق بثمنها ، ولا يشتري أحد منكم منها شيئا.
__________________
(١) حلية الأولياء ٩ / ٢٠٨.
(٢) الحلية ٩ / ٢٠٩.