لأتمنّى الموت في هذا ، وذلك أنّ هذا فتنة الدّنيا ، وذاك كان فتنة الدّين.
ثم جعل يضمّ أصابعه ويقول : لو كان نفسي في يدي لأرسلتها. ثمّ يفتح أصابعه (١).
وكان المتوكّل كلّ يوم يوجّه في كلّ وقت يسأله عن حاله ، وكان في خلال ذلك يأمر لنا بالمال ويقول : يوصل إليهم ، ولا يعلم شيخهم فيغتمّ. ما يريد منهم إن كان هو لا يريد الدّنيا ، فلم يمنعهم (٢)؟
وقالوا للمتوكّل : إنّه لا يأكل من طعامك ، ولا يجلس على فراشك ، ويحرّم الّذي تشرب. فقال لهم : لو نشر المعتصم وقال فيه شيئا لم أقبل منه (٣).
قال صالح : ثمّ انحدرت إلى بغداد ، وخلّفت عبد الله عنده ، فإذا عبد الله قد قدم ، وجاء بثيابي الّتي كانت عنده. فقلت : ما جاء بك؟
فقال : قال لي : انحدر ، وقل لصالح لا يخرج ، فأنتم كنتم آفتي. والله ، لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أخرجت واحدا منكم معي. لولاكم لمن كانت توضع هذه المائدة؟ ولمن كان تفرش هذه الفرش ويجرى [هذا] الإجراء؟
فكتبت إليه أعلمه ما قال لي عبد الله ، فكتب إليّ بخطه : أحسن الله عاقبتك ، ودفع عنك كلّ مكروه ومحذور ، الّذي حملني على الكتاب إليك الّذي قلت لعبد الله : لا يأتيني منكم أحد رجاء أن ينقطع ذكري ويخمل. إذا كنتم هنا فشا (٤) ذكري. وكان يجتمع إليكم قوم ينقلون أخبارنا ، ولم يكن إلّا خيرا (٥). فإن أقمت فلم تأتني أنت ولا أخوك فهو رضائي ، ولا تجعل في نفسك إلّا خيرا ، والسّلام عليك ورحمة الله.
قال : ولمّا خرجنا من العساكر رفعت المائدة والفرش وكلّ ما أقيم لنا.
__________________
(١) الحلية ٩ / ٢١١.
(٢) في الحلية ٩ / ٢١٢ : «فما يمنعهم».
(٣) الحلية ٩ / ٢١٢.
(٤) في الأصل : «فشى».
(٥) في الأصل : «خير» ، والتحرير من : الحلية ٩ / ٢١٢.