وقال يوسف بن الحسين الرازيّ : حضرت مجلس ذي النّون فقيل : يا أبا الفيض ما كان سبب توبتك؟
قال : أردت الخروج إلى قرى مصر فنمت في الصحراء ففتحت عيني فإذا أنا بقبّرة عمياء معلّقة بمكان ، فسقطت من وكرها ، فانشقّت الأرض ، فخرج منها سكرّجتان ذهب وفضّة ، في إحداهما : سمسم ، وفي الأخرى ماء ، فأكلت وشربت. فقلت : حسبي ، قد تبت. ولزمت الباب إلى أن قبلني (١).
وفي كتاب «المحن» للسّلميّ أنّ ذا النّون أول من تكلّم ببلدته في ترتيب الأحوال ومقامات أهل الولاية. أنكر عليه عبد الله بن عبد الحكم ، وكان رئيس مصر ، وكان يذهب مذهب مالك ، ولذلك هجره علماء مصر ، حتّى شاع خبره ، وأنّه أحدث علما لم يتكلّم فيه السّلف. وهجروه حتّى رموه بالزّندقة.
قال : فدخل عليه أخوه فقال : إنّ أهل مصر يقولون أنت زنديق.
فأنشأ يقول :
وما لي سوى الإطراق والصّمت حيلة |
|
ووضعي كفّي تحت خدّي وتذكاري (٢) |
قال : وقال محمد بن يعقوب بن الفرجيّ : كنت مع ذي النّون في الزّورق ، فمرّ بنا زورق آخر ، فقيل لذي النّون : إنّ هؤلاء يمرّون إلى السلطان يشهدون عليك بالكفر.
فقال : اللهمّ إن كانوا كاذبين فغرّقهم. فانقلب الزّورق وغرقوا.
فقلت له : احسب أنّ هؤلاء قد مضوا يكذبون ، فما بال الملّاح؟
قال : لم حملهم وهو يعلم قصدهم. ولأن يقفوا بين يدي الله غرقى خير لهم من أن يقفوا شهود زور. ثمّ انتفض وتغيّر وقال : وعزّتك لا أدعو على خلقك بعد هذا.
ثم دعاه أمير مصر وسأله عن اعتقاده ، فتكلّم ، فرضي أمره ، وكتب به إلى
__________________
(١) تهذيب تاريخ دمشق ٥ / ٢٧٥.
(٢) البيت في جملة أبيات في : تهذيب تاريخ دمشق ٥ / ٢٩١.