المصلّى ، ومعنا ناس كثير. فلمّا رجعنا دعانا عبد الرّزّاق إلى الغداء ، فجعلنا نتغدّى معه ، فقال لأحمد وإسحاق : رأيت اليوم منكما عجبا ، لم تكبّرا!
فقالا : يا با بكر نحن ننظر إليك هل تكبّر فنكبّر ، فلمّا رأيناك لم تكبّر أمسكنا.
قال : وأنا كنت انظر إليكما هل تكبّران فأكبّر.
قال جعفر بن أحمد بن نصر الحافظ : ما رأيت من المحدّثين أهيب من محمد بن رافع. كان يستند إلى شجرة الصّنوبر في داره ، فتجلس الغلمان بين يديه على مراتبهم ، وأولاد الطّاهرية ومعهم الخدم كأنّ على رءوسهم الطّير.
فيأخذ الكتاب بيده ويقرأ بنفسه ، ولا ينطق أحد ولا يتبسّم إجلالا له. وإذا تبسّم أحد في المجلس أو راطن صاحبه قال : وصلّى الله على محمد. فلا يقدر أحد أن يراجعه أو يستزيده. ولقد تبسّم خادم للطّاهريّة يوما ، فقطع ابن رافع ، وأنهى الخبر بعد ذلك. فأمر بقتل الخادم حتّى احتلنا لخلاصه (١).
قال الحاكم : سمعت أبا جعفر محمد بن سعيد المذكّر يقول : سمعت زكريّا بن دلّويه يقول : بعث طاهر بن عبد الله إلى محمد بن رافع بخمسة آلاف درهم ، فدخل عليه الرّسول بعد العصر وهو يأكل الخبز مع فجل ، فوضعها وقال : بعث بها الأمير.
فقال : خذ خذ لا أحتاج إليه ، فإنّ الشّمس قد بلغت رأس الحيطان ، إنّما تغرب بعد ساعة ، وقد جاوزت الثّمانين إلى متى أعيش؟
فدخل عليه ابنه فقال : ليس لنا اللّيلة خبز.
قال : فبعث بعض أصحابه خلف الرّسول ليردّ المال إلى حضرة صاحبه فزعا من أن يذهب ابنه خلف الرسول ، فيأخذ المال.
قال زكريّا : وربما كان يخرج إلينا في الشّتاء الشّاتي ، وقد لبس لحافه الّذي يلبسه باللّيل (٢).
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٢١٦.
(٢) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٢١٦ ، ٢١٧ ، الوافي بالوفيات ٣ / ٦٨.