شهر ، من غير قصد تحديد كما قدمناه. والله أعلم.
الثاني : قد فسر المصنف الكوثر بالحوض ، وهو قول عطاء من المفسرين ، ويمكن أن يستدل له بحديث الصحيحين عن أنس : بينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين أظهرنا في المسجد إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما ، فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله؟ قال : «نزلت عليّ آنفا سورة ، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)) (سورة الكوثر : ٣) ، ثم قال : «تدرون ما الكوثر؟» قلنا : الله ورسوله أعلم؟ قال :
«فإنه نهر وعدنيه ربي عزوجل ، عليه خير كثير ، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد نجوم السماء» الحديث (١).
وإنما يتجه الاستدلال إذا جعلنا قوله : «هو حوض» عائد إلى النهر ، والظاهر أنه خبر عن «الخير الكثير» ، وأن ذلك الخير الكثير هو الحوض ، ففي رواية في الصحيحين : «إن الكوثر نهر في الجنة عليه حوضي» (٢).
وقد نقل عن جمع من المفسرين تفسير الكوثر بنهر في الجنة (٣) ، وفي حديث المعراج (٤) تصريح بذلك ، وكذا في الحديث السابق آنفا وغيره.
وفي الكوثر قول ثالث مال إليه ابن عطية وغيره من المفسرين وهو أن الكوثر الخير البالغ في الكثرة الذي أوتيه صلىاللهعليهوسلم (٥) من العلم والعمل ، وسائر ما أوتيه صلىاللهعليهوسلم من خصال الشرف (٦) ، وقد ورد في صحيح البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الكوثر : «هو الخير الكثير الذي أعطاه الله
__________________
(١) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة ، رقم ٤٠٠ ، وأشار ابن الأثير في جامع الأصول ٢ / ٥١٥ : أن الحديث لم يخرجه البخاري.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق ، باب في الحوض ، رقم ٦٥٨١ من أنس ، وأخرجه مسلم في الصلاة ، برقم ٤٠٠.
(٣) فقد نقل ذلك الطبري عن ابن عمر وابن عباس وعائشة وأنس وأبي العالية ومجاهد ، انظر : جامع البيان ، للطبري ، ١٥ / ٣٢٠ ـ ٣٢١.
(٤) حديث المعراج أخرجه البخاري في كتاب الصلاة ، باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء ، رقم ٣٤٢ ، عن ابن عباس .. وأخرجه في أبواب أخرى متفرقة ، وأخرجه مسلم في الإيمان ، باب الإسراء برسول الله صلىاللهعليهوسلم برقم ١٦٣. والتصريح بالكوثر جاء في رواية أنس عند البخاري كتاب التفسير ، باب سورة (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) رقم ٤٦٨٠.
(٥) ليست في (م).
(٦) انظر : المحرر الوجيز لابن عطية ، ١٦ / ٣٧٢.