ثم اختلفوا ؛ فقال العلاف وعبد الجبار : الشرط الطاعات فرضا كانت أو نفلا ، والجبائي وابنه وأكثر معتزلة البصرة : الشرط هو الطاعات المفترضة من الأفعال والتروك دون النوافل (١).
وقوله : (أو باللسان) عطف على قوله : «بالقلب» ، وهو حكاية للقول الثالث ، وهو أن الإيمان التصديق باللسان (فقط) أي : الإقرار بحقية ما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم ، بأن يأتي بكلمتي الشهادة.
(و) هذا (هو قول الكرّامية) قالوا : (فإن طابق) تصديق اللسان (تصديق القلب فهو مؤمن ناج ، وإلا) أي : وإن لم يطابقه (فهو مؤمن مخلد في النار) فليس للكرامية كبير خلاف في المعنى.
وقوله : (أو بالقلب واللسان) حكاية للقول الرابع ، وهو أن الإيمان تصديق بالقلب واللسان معا (٢) ، ويعبر عنه بأنه تصديق بالجنان وإقرار باللسان.
(وهو منقول عن أبي حنيفة) رحمهالله ، (ومشهور عن أصحابه ، و) عن (بعض المحققين من الأشاعرة) (٣).
(قالوا : لمّا كان الإيمان) لغة (هو التصديق ، والتصديق كما يكون بالقلب) بمعنى إذعانه وقبوله لما انكشف له (يكون باللسان) بأن يقر بالوحدانية وحقية الرسالة ، وإذا كان مفهوم الإيمان مركبا من التصديقين (فيكون كل منهما) أي : من التصديق القلبي والتصديق اللساني (ركنا في الباب) أي : في مفهوم الإيمان ، (فلا يثبت الإيمان إلا بهما ، إلا عند العجز) عن النطق باللسان ، فإن الإيمان يثبت بتصديق القلب فقط في حقه ، فالتصديق ركن لا يحتمل السقوط (أصلا ، والإقرار قد يحتمله ، وذلك في حق العاجز عن النطق والمكره (وكذا) أي : وكما هو منقول عن أبي حنيفة ومشهور عمن ذكر (الاحتياط واقع عليه) فيصدق أن يقال : أن جعل الإقرار بالشهادتين ركنا من الإيمان هو الاحتياط ، بالنسبة إلى جعله شرطا خارجا عن حقيقة الإيمان.
(والنصوص دالة عليه) أي : على كونه ركنا (وذكروا) أي : ذكر هؤلاء القائلون بكون الاقرار ركنا من النصوص (ما تعلقت به الكرامية) لقولهم السابق
__________________
(١) انظر : مقالات الإسلاميين ، ص ٢٦٦ ـ ٢٧٠.
(٢) ليست في (ط).
(٣) من أمثال الآمدي الذي حقق المسألة في غاية المرام ، انظر : ص ٣٠٩.