معنى التصديق) الذي هو تمام حقيقة الإيمان عنده ، (فقال مرة : هو المعرفة بوجوده) تعالى ، (والهيئة (١) ، وقدمه ، وقال مرة : التصديق قول في النفس ، غير أنه يتضمن المعرفة ولا يصح دونها ، و) هذا الثاني قد (ارتضاه القاضي) أبو بكر الباقلاني ، (فإن التصديق والتكذيب والصدق والكذب بالأقوال أجدر) منه بالعلوم والمعارف (ثم يعبر عن تصديق القلب باللسان (٢). اه).
(وظاهر عبارة الشيخ أبي الحسن) المنقولة عنه آنفا (أنه) أي : التصديق (كلام النفس مشروط بالمعرفة) يلزم من عدمها عدمه ؛ لأن الاستسلام الباطن إنما يحصل بعد حصول المعرفة ، أعني : إدراك مطابقة دعوى النبي للواقع ، أي : تجليها للقلب وانكشافها ، (ويحتمل أنه) أي : التصديق (٣) هو (المجموع) المركب (من المعرفة و) من (ذلك الكلام النفسي) فيكون كل منهما ركنا من الإيمان ، (فلا بد في تحقق الإيمان) على كلا الاحتمالين في عبارة الشيخ أبي الحسن (من المعرفة ، أعني : إدراك مطابقة دعوى النبي للواقع ، ومن) أمر (آخر هو الاستسلام) الباطن (والانقياد لقبول الأوامر والنواهي ، المستلزمة) ذلك الاستسلام والانقياد (للإجلال) أي : لإجلال الإله تعالى ، (وعدم الاستخفاف) بأوامره ونواهيه.
وهذا الاستسلام الباطن ـ وبه عبر الحجة في كلامه على الإيمان والإسلام ٤ ـ هو المراد ب «كلام النفس» ، وإنما قلنا إنه لا بدّ مع المعرفة من الأمر الآخر وهو الاستسلام الباطن (لما ذكرنا) فيما مر (من ثبوت مجرد تلك المعرفة) أي : الاتصاف بها (مع قيام الكفر) بمن اتصف بها كما مر بيانه ، (و) من ثبوت مجرد المعرفة (بلا كسب واختيار فيه ، و) بلا (قصد إليه) كما مر تمثيله بمن وقعت مشاهدته على من ادعى النبوة وأظهر المعجزة.
(ومع هذا) أي : مع كونه يثبت بلا كسب واختيار فيه وبلا قصد إليه (يتعلق ظاهر التكليف به ، نحو) قوله تعالى : ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) (سورة محمد : ١٩) ، والمراد : اكتسبه بفعل أسبابه) من القصد إلى النظر في آثار القدرة الدالة على الوجود والوحدانية ، وتوجيه الحواس إليها ، وترتيب المقدمات المأخوذة من ذلك على الوجه المؤدي إلى المقصود ، (حتى لو وقع العلم) لإنسان (دفعيا) من
__________________
(١) انظر : نهاية الإقدام في علم الكلام ، للشهرستاني ، ص ٤٧٢.
(٢) في (م) : الإيمان.
(٣) انظر : إحياء علوم الدين ، ١ / ١٧١.