غير ترتيب مقدمات (احتاج) من وقع له ذلك (إلى تحصيله) أي : ذلك العلم (مرة أخرى كسبا ، على ما هو ظاهر كلام بعضهم) كالمولى سعد الدين في «شرح المقاصد» فإنه قال : إن حصول هذا التصديق قد يكون بالكسب ، أي : مباشرة الأسباب بالاختيار ، كإلقاء الذهن وصرف النظر وتوجيه الحواس وما أشبه ذلك ، وقد يكون بدونه ، كمن وقع عليه الضوء فعلم أن الشمس طالعة ، والمأمور به يجب أن يكون من القسم الأول. ثم قال : لا يفهم من نسبة الصدق إلى المتكلم بالقلب سوى إذعانه وقبوله وإدراكه لهذا المعنى ، أعني : كون المتكلم صادقا من غير أن يتصور هناك فعل وتأثير من القلب ، ونقطع بأن هذا كيفية للنفس قد تحصل بالكسب والاختيار ومباشرة الأسباب ، وقد تحصل بدونها ، فغاية الأمر أن يشترط فيما يعتبر في الإيمان أن يكون تحصيله بالاختيار ، على ما هو قاعدة المأمور به (١). اه.
وظاهره كما قال المؤلف عدم الاكتفاء بحصوله دون كسب ، (وفيه) كما قال المؤلف (نظر ؛) لأن حصول الاستسلام والانقياد بعد حصول العلم الدفعي (٢) (٣) حصول للمقصود مغن عن استحصاله بتعاطي الوسيلة الموصلة إليه ، فلا وجه لعدم الاكتفاء بالعلم الدفعي ، (بل) الوجه أنه (إذا حصل كذلك) أي : دفعيا (كفى ضمّ ذلك الأمر الآخر من الانقياد) الباطن (إليه ، وذلك التكليف الكائن لتعاطي أسباب العلم إنما هو لمن لم يحصل له العلم ، فإذا حصل هو) أي : العلم (سقط ما وجوبه لأجله) أي : لأجل حصوله ؛ لأنه لا معنى لتعاطي وسيلة لأجل مقصود وهو حاصل بدونها. (٤)
(ثم) هذا كلام في مفهوم الإسلام (جعل بعض أهل العلم الاستسلام والانقياد) بالباطن (الذي هو معنى الإسلام) لغة (داخلا في معنى التصديق) وعليه فمفهوم الإسلام جزء من مفهوم الإيمان ، (وأطلق بعضهم) أي : بعض أهل العلم (اسم المرادف على الإيمان والإسلام) وكأنه يعني صاحب «التبصرة» ، فإنه قال :
__________________
(١) شرح المقاصد ، ٥ / ١٨٨ ـ ١٨٩.
(٢) العلم الدفعي : هو البديهي الذي لا يتوقف فيه على النظر الكثير ويحصل دفعة دون ترتيب ، وعبر بالدفعي هنا للجزم دفعة واحدة باطمئنان دون التقيد بدرجات النظر.
(٣) في (م) : كلامه.
(٤) تلازم المفهومين : يعني أن نفي أحدهما يلزم منه نفي الآخر وإثبات أحدهما يلزم منه إثبات الآخر ، فنفي الإيمان يستلزم نفي الإسلام ، ونفي الإسلام يستلزم نفي الإيمان ، والكلام نفسه في الإثبات ، ولكنهما غير متحدين ، فليس كل مسلم مؤمنا بينما يكون كل مؤمن مسلما.