(وروي عن أبي حنيفة رحمهالله تعالى أنه قال : إيماني كإيمان جبريل ولا أقول مثل إيمان جبريل ، لأن المثلية تقتضي المساواة في كل الصفات ، والتشبيه لا يقتضيه) (١) أي : لا يقتضي ما ذكر من المساواة في كل الصفات ، بل يكفي لإطلاقه المساواة في بعضها (فلا أحد يسوي بين إيمان آحاد الناس وإيمان الملائكة والأنبياء) من كل وجه ، (بل يتفاوت) إيمان آحاد الناس وإيمان الملائكة والأنبياء ، (غير أن ذلك التفاوت) هل هو (بزيادة ونقص في نفس الذات) أي : ذات التصديق والإذعان القائم بالقلب ، (أو (٢)) هو تفاوت لا بزيادة ونقص في نفس الذات ، بل (بأمور زائدة عليها؟ فمنعوا) يعني الحنفية وموافقيهم (الأول) وهو التفاوت في نفس الذات (وقالوا : ما يتخايل) أي : يظن (من أن القطع بتفاوت قوة) أي : من حيث القوة في ذاته (إنما هو راجع إلى جلائه) أي : ظهوره وانكشافه ، (فإذا ظهر القطع بحدوث العالم بعد ترتيب مقدماته) المؤدية إليه (كان الجزم الكائن فيه كالجزم في قولنا : الواحد نصف الاثنين) والأولى أن يقال : «كالجزم في حكمنا» بدل : «في قولنا».
(وإنما تفاوتهما باعتبار أنه إذا لوحظ هذا) وهو أن العالم حادث (كان سرعة الجزم فيه ليس كالسرعة التي في الآخر) وهو أن الواحد نصف الاثنين (خصوصا مع عزوب النظر) وهو ترتيب مقدمات حدوث العالم ، أي : غيبته عن الذهن (فيخيّل أنه) أي : الجزم بأن الواحد نصف الاثنين (أقوى ، و) ليس بأقوى في ذاته (إنما هو أجلى عند العقل ، فنحن) معشر الحنفية ومن وافقنا نمنع ثبوت ماهية المشكك ، ونقول : إن الواقع على أشياء متفاوتة فيه (٣) يكون التفاوت عارضا لها خارجا عنها لا ماهية لها ولا جزء ماهية ؛ لامتناع اختلاف الماهية واختلاف جزئها (٤).
__________________
(١) المثلية : من لفظ المثل وهي أعم الألفاظ الموضوعة للمشابهة ، وقد يطلق ويراد به الذات ، وأحيانا يراد به نفي التماثل عن المثل ، وقد يأتي بمعنى الصفة ، والمثل المطلق للشيء هو ما يساويه في جميع أوصافه ، وأما التشبيه فهو في اللغة التمثيل مطلقا ، واصطلاحا : الدلالة على اشتراك شيئين في وصف من أوصاف الشيء الواحد في نفسه وهو مراد المصنف.
(٢) في (م) : و.
(٣) في (م) : فبه.
(٤) اختلاف الماهية واختلاف جزئها : لا يمكن ذلك لأن الجزء من مكونات الماهية وهو متقدم عليها في دور التركيب ، كما أن عدمه متقدم على عدم الماهية ، فالتركيب الذي هو أخص خصائص الماهية مفتقر إلى أجزائه ، وهو المشكل لحقيقة الماهية ، فعند انعدامه أو تغيره تنعدم الماهية تبعا.