يبقى زمانين ، وتوالي أشخاصه (لاستمرار مشاهدة) الدليل (الموجب) للتصديق ، (و) استمرار مشاهدة (الجلال والكمال) بعين البصيرة ، (بخلاف غيره) أي : غير النبي (حيث يعزب) أي : يغيب (عنه) ذلك تارة فلا يشهده ، (ويحضر) أخرى فيشهده ، (فيثبت للنبي وأكابر المؤمنين أعداد من الإيمان لا يثبت لغيرهم إلا بعضها) فيكون إيمانهم لذلك أكثر (١) ، (فاستمرار حضور الجزم قد يخال) أي : يظن (زيادة قوة في ذاته) أي : ذات الجزم (وليس إياه) أي : وليس ذلك الاستمرار زيادة قوة ، (أو إياه) أي : أو يكون زيادة قوة ، (و) لكن (ليس داخلا) في حقيقة الإيمان (على ما رددناه) أي : أتينا به من الترديد الذي ذكرناه (آنفا) أي : قريبا ، بقولنا : هو زيادة ونقص في نفس الذات أو بأمور زائدة عليها مع الكلام على ذلك.
(وإلى هذا) الذي ذكرناه من تأويل الزيادة (ترد الظواهر) الناطقة بالزيادة (من الآي) التي سردنا عددا منها فيما مر ، (و) من (الحديث) الذي قدمناه ، (وقول) سيدنا (علي رضي الله تعالى عنه : «لو كشف الغطاء) أي : عن الأمور المغيبة من الحشر والنشر والحساب ونحوها ، بأن مشاهدتها واقعة ، (ما ازددت) بسبب وقوعها (يقينا) (٢) بها ، (الظاهر) بالرفع نعت ل «قول» أي : قول علي ، الذي هو ظاهر (في تصور زيادته) أي : اليقين ، لأن قوله : «ما ازددت يقينا» يؤذن بأن اليقين يقبل الزيادة ، يرد (إلى الزيادة) والمراد : رد ما تضمنه من الزيادة إلى الزيادة (بما قلنا) أي : بالمعنى الذي قلنا ، وهو ما تحصل بأمور خارجة عن مقومات الماهية ، منها ما ذكره إمام الحرمين.
فقوله : «وقول» مبتدأ ، خبره : «يرد» ، مقدرا قبل قوله : «إلى الزيادة» دل عليه «يردّ» المذكور (هذا) الذي ذكرناه كما ذكرنا.
ولكن هاهنا سؤال وجواب أشار إليهما المصنف بقوله : (ولما كان ظاهر قول الخليل) ... الخ حاصل السؤال أنه : قد تقرر أن الإيمان لا يتحقق بدون القطع وعدم التردد ، وظاهر قول السيد إبراهيم حين قيل له : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (سورة البقرة : ٢٦٠)) يقتضي (عدم الاطمئنان) قبل ذلك ، (وهو ينافي القطع وعدم التردد) والخليل عليه الصلاة والسلام من أعلى الخلق مرتبة في الإيمان ، فكيف طلب ما يطمئن به قلبه بالإيمان؟ هذا تقرير السؤال.
__________________
(١) في (ط) : فقولنا هو زيادة ونقص في نفس الذات أو بأمور زائدة عليها مع الكلام على ذلك.
(٢) ذكره أبو يعلى في مسائل الإيمان ص ٤١٦.