يحيى بن زكريا بعث تلاميذه إلى المسيح وقال لهم : قولوا له أنت أيل أم نتوقع غيرك؟ فقال المسيح : الحق اليقين أقول لكم أنه لم تقم النساء عن أفضل من يحيى بن زكريا ، وإن التوراة وكتب الأنبياء تتلو بعضها بعضا بالنبوة والوحي حتى جاء يحيى ، وأما الآن فان شئتم فاقبلوا فإن أيل مزمع أن يأتي ، فمن كانت له أذنان سامعتان فليستمع» وهذه بشارة بمجيء الله سبحانه الذي هو «أيل» بالعبرانية ، ومجيئه هو مجيء رسوله وكتابه ودينه ، كما في التوراة : «جاء الله من طور سيناء» قال بعض عباد الصليب : إنما بشر بالياس النبي ، وهذا لا ينكر من جهل أمة الضلال وعباد خشبة الصليب التي نحتتها أيدي اليهود ؛ فان الياس قد تقدم إرساله على المسيح بدهور متطاولة.
(فصل الوجه الخامس والثلاثون) قوله في نبوة أرميا : «قبل أن أخلقك قد عظمتك من قبل أن أصورك في البطن ، وأرسلتك وجعلتك نبيا للأجناس كلهم» فهذه بشارة على لسان أرميا لمن بعده ، وهو إما المسيح وإما محمد صلوات الله وسلامه عليهما لا يعدوهما إلى غيرهما ، ومحمد أولى بها لأن المسيح إنما كان نبيا لبني إسرائيل ، كما قال تعالى : (وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) [آل عمران : ٤٩] ، والنصارى تقر بهذا ؛ ولم يدع المسيح أنه رسول إلى جميع أجناس أهل الأرض ، فان الأنبياء من عهد موسى إلى المسيح إنما كانوا يبعثون إلى قومهم ، بل عندهم في الإنجيل ان المسيح قال للحواريين : «لا تسلكوا إلى سبيل الأجناس ، ولكن اختصروا على الغنم الرابضة من نسل إسرائيل» وأما محمد بن عبد الله فهو الذي بعثه الله إلى جميع أجناس الأرض وطوائف بني آدم ، وهذه البشارة مطابقة لقوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف : ١٥٨] ، ولقوله صلىاللهعليهوسلم : «بعثت إلى الأسود والأحمر» وقوله صلىاللهعليهوسلم : «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» وقد اعترف النصارى بهذه البشارة ولم ينكروها ؛ لكن قال بعض زعمائهم إنها بشارة بموسى بن عمران والياس واليسع ، وإنهم سيأتون في آخر الزمان وهذا من أعظم البهت والجرأة على الله والافتراء عليه ؛ فإنه لا يأتي من قد مات إلى يوم الميقات المعلوم.